IMLebanon

الأميركيون أطلقوا النار في الهواء: نحن هنا!

 

يقول ديبلوماسي مطّلع: في أفضل الأحوال، سيتمكن الوسيط الفرنسي جان إيف لودريان من النجاة بنفسه. وأما إنقاذ لبنان فلا يبدو وارداً في الظروف الحالية. وسيتعرّض الرجل للقنص من كل الجهات في حقل الرماية اللبناني. وستنتهي بالفشل محاولات الفرنسيين لإرضاء كل القوى المعنية بالملف اللبناني في آن معاً. وعلى الأرجح، سيخسرون حلفاءهم من دون أن يربحوا الخصوم!

ليس مستبعداً أن يكون لودريان نفسه مدركاً لصعوبة التوصل إلى تسوية في لبنان حالياً. وربما هو يعرف أنّ مهمّته الحالية لن تأتي بنتيجة. ولذلك، هو يخطّط لتنفيذ جولات مكوكية على خط باريس- بيروت، لعلّه يمنح الأفرقاء في الداخل والخارج ما يحتاجون إليه من وقت، للاقتناع بالتسوية الفرنسية المعروفة أو للتوافق على تسوية أخرى.

 

قبل أيام، بذل الرئيس إيمانويل ماكرون قصارى جهده للتفاهم مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حول تسوية في لبنان. وفي الأساس، كان السعوديون يرفضون التسوية التي طرحها ماكرون، باعتبارها تنازلاً سياسياً أمام طهران أو استسلاماً لها في لبنان.

 

ولكن، بعد الاتفاق السعودي- الإيراني المفاجئ، تولّد انطباع في العديد من الأوساط بأنّ موقف الرياض ربما بات أكثر ليونة تجاه الطرح الفرنسي. ولم يتضح إذا كانت قمّة ماكرون- بن سلمان، في باريس، قد أظهرت فعلاً بعض الليونة في الموقف السعودي. فالجانبان حافظا على الكتمان. ولذلك، ترقّب الجميع تبلوّر الصورة خلال زيارة لودريان لبيروت.

 

ولكن، لم يكن متوقعاً أن يبادر الأميركيون إلى إطلاق النار- في الهواء على الأقل- في اتجاه المبادرة الفرنسية، وحتى قبل أن ينطلق لودريان في مهمّته. ففي توقيت حساس، أذاعت السفيرة الاميركية المنتهية ولايتها دوروثي شيا كلمة مسجّلة، بسبب مغادرتها بيروت، لإدلائها بشهادة أمام الكونغرس قبل تعيينها سفيرة لبلادها في الأمم المتحدة، وجاء فيها:

 

«إنّ البيان الاميركي – السعودي – الفرنسي (أيلول 2022) تضمن مواصفات الرئيس، وهي: رئيس غير فاسد، يمكنه توحيد الشعب، ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة، وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات ومعالجة الأزمة ومواكبة الاستحقاقات».

 

واضح من الكلمة المحضّرة مسبقاً، أنّ واشنطن قرّرت توجيه إنذار مبكر إلى الذين يعنيهم الأمر، وفي مقدّمهم فرنسا. وتذكيرها بالمواصفات التي تمّ التفاهم عليها مع الولايات المتحدة في أيلول الفائت، يعني أنّ واشنطن متمسكة بها، وأنّ أي تعديل على مضمونها يجب أن يخضع لموافقة واشنطن أيضاً.

 

قد يكون البيان الأميركي موجّهاً إلى فرنسا تحديداً، لكي «تلتزم حدودها» خلال محادثات لودريان. ولكن، قد تكون الرسالة موجّهة إلى المملكة العربية السعودية أيضاً، إذ وصلت معلومات إلى الأميركيين مفادها أنّ الرياض رضخت للطرح الفرنسي. وفي أي حال، لن يستطيع الموفد الفرنسي أن يتجاوز المضمون الاعتراضي للبيان الأميركي.

 

إذاً، في لحظة نزوله إلى الميدان اللبناني، تعرّض لودريان لأول رشق ناري مصدره واشنطن. وقد يتعرّض لرشقات من الأركان الآخرين في «لقاء باريس»، ما يجعل مهمّته صعبة، خصوصاً أنّ إيران ستقف هي أيضاً بالمرصاد لمهمّة لودريان إذا حاد عن الطرح الفرنسي الأساسي وسار بخيارات ترفضها.

 

وبذلك، تبدو مهمّة لودريان محاصرة من جوانب عديدة. فالاعتراضات وتضارب المصالح إقليمياً ودولياً تجري ترجمتها باعتراضات وصراعات مصالح بين القوى الداخلية. ويدرك الديبلوماسي المحنّك، والذي يعرف اللبنانيين جيداً، أنّ هناك متاعب هائلة تنتظره في لبنان. وهذا ما دفعه إلى «تقسيط» مبادرته على دفعات.

 

الأرجح أنّ هناك شروطاً تعمل باريس لتلبيتها في ما يتعلق بالمواصفات التي يجب أن يحظى بها رئيس الجمهورية: ففي الداخل، يجب أن ينال ثقة «حزب الله»، وأن يريح المسيحيين فيشعرون أنّه يمثلهم، وأن يكون مستعداً لخوض مغامرة الإصلاح السياسي والإداري والمالي، وأن يكون منفتحاً على العرب والعالم ليتمكن من فكّ العزلة عن البلد.

 

هذه المواصفات فيها الكثير جداً من المطبّات، ويصعب جداً توافق الجميع عليها من دون ضغوط ومساومات داخلية وخارجية. فبأي طريقة يمكن طمأنة «الحزب»؟ وما هي حدود الطمأنة التي يريدها المسيحيون؟ وأي «سوبرمان» سيتمكن من تطبيق الإصلاحات ويفكّ العزلة عن لبنان ويعيد إليه المساعدات، في هذه الظروف الشديدة التعقيد؟

 

لذلك، يقول الديبلوماسي: إنّ مهمّة لودريان تبدو شبيهة بالغواصة التي أضاعت سبيلها وتعطّلت، قبل الوصول إلى سفينة «التايتانيك» المحطّمة في قعر المحيط. ومن الواضح أنّ «التايتانيك اللبنانية» ستبقى غارقة وعصية على الإنقاذ، حتى إشعار آخر.