IMLebanon

عندما ينصح اللبنانيون الأميركان

 

“عملية كرّ وفر بين الثوار والشرطة الاميركية على جسر شيكاغو وإقفال ساحة النور في ولاية كاليفورنيا”.”ترامب يتّهم سفارة لبنان بتمويل الثوار وتوزيع السندويشات”.”شعب بيفهم وما عندو تاج على راسو غير كرامتو”. اللبنانيون هذه المرة اطلقوا إنتفاضة إفتراضية بعنوان” #أميركا تنتفض” أو “# نصائح_للثوار_بأميركا”، هذا الوسم كان التراند رقم واحد، ولأيامٍ متتالية بين 29 أيار و2 حزيران الحالي، وجاء محاكياً ومذكراً بمشهد ثورة “# لبنان ينتفض”، وكل وسمٍ شهدَ قصة مختلفة.

وهكذا وجد اللبنانيون في شوارع أميركا مادة خصبة للتعليق والتسلية، وللتذكير بالأحداث والظواهر التي أعقبت انطلاقة ثورة 17 تشرين، والتعابير التي راجت وما انطبع في أذهان مدمني “السوشيل ميديا”، و”تويتر” بشكل خاص، فاتسمت الهاشتاغات بالطرافة والسخرية على الرغم من غرق اللبنانيين في مشاكلهم أكثر فأكثر أو إغراقهم، ولا فرق ما دامت النتيجة واحدة.

ويبدو أن اللبنانيين وجدوا متنفساً في التظاهرات، التي لا تزال تشهدها الولايات المتحدة الاميركية، بعد مقتل المواطن الأسود “جورج فلويد” تحت ركبة شرطيٍ أميركي بطريقةٍ غير إنسانية، هذه الحادثة أشعلت موجةً واسعة من التحركات الإحتجاجية الغاضبة في أميركا، ما دفع باللبنانيين إلى إسقاط المشهد المحلي على الحدث الاميركي بعفوية، للتعبير عن الواقع الاليم الذي يعيشونه، فأتت تعليقاتهم في معظمها بأسلوبهم الساخر والكوميدي والهزلي.

 

فاللبنانيون الذين عاشوا ثورة 17 تشرين يقدّمون اليوم النصائح للثوار الاميركيين، كي لا يقعوا في الأخطاء التي وقعوا فيها، أو كي يعتمدوا أساليب “مضمونة النتائج” في تحركاتهم، ما دفع ببعض المعلقين الى وصف هذه الموجة الطريفة بأنّها “ضحك من شدة الوجع”.

 

هذه التعليقات التي تراوحت بين الجدّ والهزل، أضفت جواً من المرح في وسائل التواصل الاجتماعيّ، التي ضجّت بعبارات وصور وفيديوات تناقلها النشطاء تحت هاشتاغ “#أميركا_تنتفض” أو “#نصائح_للثوار_بأميركا”، مذكرةً كيف أن اللبناني وبالرغم من شدة ويلاته لا يضيّع أيّ حدثٍ محليٍّ أو عالميّ، بل يرى فيه فرصةً لإطلاق العشرات من النكات والتعليقات الساخرة.

 

وفي هذا السياق تعلق الدكتورة والمعالجة النفسية سيسيليا ضومط في حديثٍ لـ “نداء الوطن”: “لقد تحولت مواقع التواصل الإجتماعي منصاتٍ لـ”فشة الخلق” وللتعبير عن الذات، والنصائح هذه مُتأتية من شعور المغردين بالضعف والعجز، وفشل محاولاتهم في إنجاح أهداف الثورة، وكأنهم يوحون بأن الحق يقع على السلطة وبأنها تقوم بقمعهم”، لافتةً إلى “أنهم وبأسلوبهم هذا، يدافعون عن الأساليب الطريفة التي استعملوها في الثورة في لبنان، التي يعتبرونها فعالة وناجعة لكن ليس في لبنان بل في أميركا”.

وتتابع: “إن دل هذا على شيء فعلى خيبة أمل أُصيبوا بها، مشيرة إلى أنهم يُقدمون النصائح لأكبر شعوب العالم، وهكذا نراهم يعيشون إنكاراً للفشل الذي وقعوا فيه، ويقدمون “وصفة سحرية” إن جاز القول، كدليلٍ إضافي على الصبر والقوة والنفس الطويل التي يتمتع بها اللبناني حيال الأزمات، وبهذه الطريقة نرى الشعب يتلهى بشكل كوميدي وفكاهي عن معظم مشاكله التي لا تزال قائمة، وبأسلوبٍ يُقدمون من خلاله يد العون والمساعدة لثوار أميركا، رافضاً ومتمرداً على الفشل الذي لا يزال يتخبط فيه في معركته مع أهل السلطة”، وفق تعبيرها. بدورهِ يرى الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي أحمد ياسين أن النصائحَ التي وجهها الثوار في لبنان إلى الثوار في أميركا حملت أكثر من وجهة نظر، لكن أغلبهم تلقفها بطريقةٍ استهزائية، وراح يُسدي نصائح للمتظاهرين في الولايات المتحدة بناءً على (التجربة اللبنانية)، مشيراً إلى أنه ومن هنا رأينا كيف شبّه أحد المغردين “جسر الرينغ” بجسر في ولاية ميشيغين، وصولاً الى تشبيه بعض شخصيات الحراك في لبنان ببعض شخصيات الحراك في الولايات المتحدة، وكأن الشعب اللبناني بإسدائهِ النصائح هذه هو أكثر خبرة بقيادة وتنظيم التظاهرات الشعبية وإدارتها.

وإذ يتوقف ياسين عند المشهد المستجد على الرأي العام اللبناني، وهو رؤية هذه الثورة في الولايات المتحدة وبهذا الحجم والشمولية المناطقية، البلد الذي يعتبر نفسه واحة للديموقراطية في العالم، يكشف كيف ذهب بعض المغردين اللبنانيين إلى الغوص أكثر في تحليل الأبعاد والجوانب السياسية للتظاهرات، بتغريداتٍ يرى فيها أن ما يحصل ستكون له تداعيات على شكلِ ونظام الحكم، ومستقبل ترامب وجو بايدن وعلى مستقبل الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

 

في المقابل ذهبَ البعضُ إلى مُهاجمة العنصرية في الولايات المتحدة تجاه السود، وهنا يؤكد ياسين أن هذه العنصرية متجذرةٌ أصلاً في نظام الحكم والدولة هناك، حيث أن بعض الوظائف لا يُمكن أن يتسلمها سود وهنا أيضا مفارقة. وبذلك توزعت النصائح والآراء ضمن هذه الفئات الاربع الرئيسية، بحسب ياسين.

ويتوقف ياسين عند استشهاد الشاب الفلسطيني إياد الحلاق وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة في منطقة الاسباط في القدس المحتلة، في اليوم نفسه الذي قتل فيه جورج فلويد، “هما يُشكلان مشهدين لعنصرية واحدة عنصرية النظام الليبرالي الغربي المتمثل بالولايات المتحدة الاميركية، وعنصرية كيان الاحتلال الذي هو وجه آخر لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة”، مبدياً أسفه كيف أنه لم يرف جفن لهذا العالم، باستشهاد مئات وآلاف الفلسطينيين بنفس الطريقة العنصرية، مشدداً على أن العالم يدور حول مصالح ومشاعر الأغنياء فقط، أما الفقراء والمظلومون فلا أحد يكترث لمشاعرهم.

 

والمُفارقة أنه فيما قامت معظم الثورات التي اندلعت في البلدان العربية على مطالب رئيسية مُحددة، تبقى مطالبُ الثورة في لبنان متعددة ومتشعبة ليبقى السؤال من المسؤول؟ وما أبرز السبل الناجحة لتحقيق الإصلاحات المنشودة؟ وهل لا يزال الاملُ قائماً برؤية مسارٍ حقيقي للإصلاح على يد الطبقة الحاكمة الحالية بالتطبيق وليس بالتنظير والتصريحات؟ أم أنها ستدفع أثمان تمسكها بالسلطة على حسابِ أي إصلاحٍ كان؟

 

وربما الدرس الأهم، هو أن الثورة في لبنان هي وسيلة حتى لو توسلت أحيانا دمج الهزل بالجد لإيصال رسالتها، ومن الثورات ما يوصف بالثورات العنيفة ومنها بالثورات السلمية، كل ذلك من أجل تحقيق الأهداف التي رفعتها منذ إنطلاقتها، لكن ما هو معروف عن مسار الثورات بشكل عام بأنه طويل وربما يمتد لسنوات، فهل ستكون عزة نفس اللبناني وصبره وروح الدعابة والسخرية التي يتمتع بها عوامل كافية لتحقيق المطالب ولو مع الزمن؟ أم أن المؤشرات الواقعية تشي بأن تعديلات جذرية بات من الضروري إدخالها على أساليب الثورة، كي تجني الثمار التي تطمح الى قطافها؟