مهمة واحدة، يعتقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ بإمكانه تحقيقها لكسب ثقة المجتمع الدولي الداعم له، وتحديداً واشنطن وباريس، وهي اجراء الانتخابات النيابية في موعدها. ولهذا لم يرفّ له جفن حين قرر المجازفة والجلوس إلى طاولة مشتركة مع “حزب الله” اعتقاداً منه أنّ تلبيته المطلب الدولي بفتح صناديق الاقتراع، سيغفر له خطاياه.
وبالفعل، يكاد يختصر هذا المطلب، كل جدول أعمال الضيوف الأجانب الذين يقصدون لبنان، وآخرهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي شدد على ضروة اجراء انتخابات حرّة ونزيهة. كذلك يختزل كل مداولات السفراء الأجانب مع المسؤولين اللبنانيين، وفي مقدّمهم السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي تعتقد أنّ الاستحقاق النيابي هو شرط إصلاحي لا يمكن تجاوزه، وهو معبر إلزامي لمواكبة الضغوط الدولية على لبنان وعلى “حزب الله،” من باب السعي إلى قلب طاولة الأكثرية النيابية رأساً على عقب.
اذاً، هي الأغلبية النيابية التي يسعى المجتمع الغربي إلى تغيير موازينها، فيما يحاول “حزب الله” العمل للحفاظ عليها من خلال رفد حليفه المسيحي بالأصوات التي قد يكون تكبّدها خسارةً في الأشهر الأخيرة. أكثر من ذلك، يبدو أنّ مبعوث الطاقة لوزارة الخارجية الأميركية أموس هوكشتاين راح بدوره يضرب على وتر الانتخابات النيابية، حيث اعتبر في أحدث اطلالة اعلامية له أنّ “الغاز المصري سيصل إلى الأراضي اللبنانية قبل موعد الانتخابات النيابية المقرّرة في آذار”.
ومع ذلك، يقول أحد الملمّين بملف العلاقات اللبنانية – الأميركية إنّ اللبنانيين يبالغون في تقدير موقف المسؤولين الأميركيين من الاستحقاق النيابي، مشيراً إلى أنّ لبنان ليس بنداً ذا أهمية على جدول اهتمامات الإدارة الأميركية، إلا من باب ترسيم الحدود ومنع الفوضى الشاملة. أمّا بالنسبة لمقاربة الأميركيين للانتخابات النيابية، فتحتمل برأيه الكثير من التدقيق، ذلك لأنّ هناك الكثير من المسؤولين الأميركيين غير المقتنعين أنّ لصناديق الاقتراع القدرة على نسف قواعد المشهد اللبناني. ويضيف أنّ أكثر من معارض لبناني زار واشنطن وسعى لإقناع مسؤولين أميركيين بما يمكن للمعارضة أن تحققه في حال لاقت الدعم اللازم، ولكن التقديرات والدراسات الموضوعة على الطاولة الأميركية لا تتطابق مع طموحات القوى اللبنانية المعارضة، على اعتبار أنّ أفضل النتائج قد تؤدي إلى دخول بين 10 و15 نائباً معارضاً إلى مجلس النواب. وهي معادلة لن يكون بمقدروها أن تحدث التغيير المطلوب. أكثر من ذلك، ثمة من يعتبر أنّ انتقال الأكثرية من ضفة إلى أخرى، وهو احتمال ليس كبيراً، لن يكون ذا تأثير انقلابي على المشهد اللبناني بدليل تجربة 14 آذار التي غرقت في متاهات السلطة والتعطيل، ولم تتمكن من تطويق “حزب الله” وتحجيم نفوذه.
ولهذا، ثمة من يرى أنّ الرهان على ضغوط كبيرة قد تمارسها واشنطن لفرض الانتخابات النيابية من باب احداث انقلاب داخلي، ليس في محله. ولهذا، يعتقد هؤلاء أنّ واشنطن لا تثقل أجندتها بكثير من البنود المرتبطة بالملف اللبناني، باستثناء الحؤول دون وقوع الفوضى… ودون تمدد حضور “حزب الله” السياسي أكثر!
ومع ذلك، يشير الملمّون بهذا الملف إلى أنّ المساعي التي تجريها الإدارة الأميركية لاستجرار الغاز المصري إلى لبنان لم تصل إلى نتائج حاسمة بعد، لأن هذا الأمر لا يزال يلاقي صعوبات قانونية بسبب قانون قيصر، حيث يؤكد هؤلاء أنّ الكونغرس الأميركي غير متحمّس للاقدام على هذه الخطوة بمنح مصر الاستثناء القانوني، وهو شرط تريده السلطات المصرية كي يبدأ ضخّ الغاز، بسبب الموقف الاعتراضي ازاء النظام السوري الذي سيكون شريكاً في المشروع. ولهذا يرجّح هؤلاء ألّا يرى هذا المشروع النور في وقت قريب كما يعتقد المسؤولون اللبنانيون. وقد أكد وزير الطاقة وليد فياض أمس أنّ “قانون قيصر” والمخاوف من عقوبات أميركيّة ما زالت تقف عقبة أمام استجرار الغاز الطبيعي من مصر عبر خطّ الغاز العربي الذي يصل إلى سوريا ومنها إلى محطة “دير عمار”.
هذا، ومن المتوقع أن يصل هوكشتاين إلى بيروت منتصف شهر كانون الثاني المقبل لإعادة تحريك ملف ترسيم الحدود، خصوصاً وأنّ المعنيين بملف الترسيم مقتنعون أنّ الاستحقاق التقني الذي تواجهه عمليات التنقيب في حقل كارديش (وصول سفينة الانتاج في آذار المقبل)، هو الذي يجعل من مهمة الموفد الأميركي جدية وذات أهمية. ويتردد أنّ الأمين العام للأمم المتحدة ألمح أمام المسؤولين اللبنانيين الى امكانية أن يحمل الموفد الأميركي طرحاً جديداً قد يكون فرصة لإنجاز الملف.