بين 21 و27 تمّوز الماضي، أجرى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري – على رأس وفد رسمي، مُحادثات في واشنطن حيث إلتقى عددًا من كبار المسؤولين الأميركيّين، وفي طليعتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فما هي النتائج التي حقّقتها هذه الزيارة، وهل ستُجنّب المُحادثات التي جرت بين المسؤولين اللبنانيّين والأميركيّين لبنان من موجة ضرائب وعُقوبات جديدة، وهل ستمرّ المواقف الأميركيّة المُتشدّدة من «حزب الله» مُرور الكرام أم أنّها ستتسبّب بتوتّر داخلي؟
بحسب مصادر مقربة من الوفد اللبناني الذي زار واشنطن يُمكن تقسيم المواضيع الرئيسة التي تناولتها زيارة رئيس الحكومة والوفد المُرافق إلى العاصمة الأميركيّة، إلى ثلاثة أقسام أساسيّة، هي:
– أوّلاً: موضوع المساعدات الأميركيّة للجيش اللبناني وللقوى الأمنيّة الرسميّة في لبنان، في ضوء سياسة عصر النفقات وتخفيض الميزانيّة التي تعتمدها الإدارة الأميركيّة، ومن بينها وزارة الخارجية الأميركية التي خُفّضت ميزانيّتها بنسبة 28 %. وفي المعلومات بحسب المصادر، فإنّ الحريري طالب بتكثيف المُساعدات العسكريّة للجيش، لتمكينه من أداء معركته ضُدّ الجماعات الإرهابيّة على أكمل وجه، ولتمكينه أيضًا من بسط سيطرته على الداخل اللبناني بالقوّة العسكريّة وليس فقط بالتوافق السياسي. وقد سمع الوفد اللبناني – بحسب المصادر نفسها – كلامًا إيجابيًا من المسؤولين الأميركيّين والكثير من الوعود، لكن كل الإجراءات التنفيذيّة والعملانية أرجئت إلى حين وُصول قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى واشنطن في 12 آب الحالي حيث سيستكمل سلسلة من المُفاوضات السابقة، على أمل الوُصول إلى نتائج عملانيّة. وكشفت المصادر أنّ الوفد اللبناني سمع كلامًا من أكثر من مسؤول أميركي بضرورة ضبط الحُدود اللبنانيّة بكاملها بقبضة حديديّة، من الجنوب مرورًا بالشرق وُصولاً إلى الشمال، وبضرورة مُمارسة الضغوط على «حزب الله» لوقف إنفلاشه الأمني على الحُدود مع إسرائيل وفي الداخل السوري. وفُهم أيضًا خلال المُحادثات بأنّ الأميركيّين يطمحون لأن يكون لقاعدة مطار ريّاق دور أمني أكبر في تعزيز التعاون بين الجيشين اللبناني والأميركي، بحيث تتحوّل إلى شبه قاعدة عسكريّة آمنة تمامًا للعسكريّين الأميركيّين الذين سيتولّون تنسيق مدّ الجيش اللبناني بالعتاد والذخائر مُستقبلاً.
– ثانيًا: موضوع اللجوء السوري إلى لبنان، حيث نجح الوفد اللبناني إلى واشنطن بحسب المصادر، في الحُصول على وعد أميركي بتخصيص مبلغ وقدره 140 مليون دولار أميركي لمُساعدة لبنان، علمًا أنّ هذا المبلغ يُعتبر زهيدًا مع إرتفاع عدد النازحين إلى نحو مليون، دون إحتساب اللاجئين غير المُسجلين رسميًا. وأضافت المصادر أنّ النتائج في هذا الملف جدّ مُتواضعة، حيث سمع الوفد اللبناني كلامًا عن إرتباط الحل النهائي لأزمة اللاجئين السوريّين بالحلّ النهائي للحرب في سوريا، ما يستوجب مُشاركة مجموعة واسعة من الأطراف، ما يعني أنّ الحلّ الشامل ليس على الأبواب.
– ثالثًا: موضوع مشروع قانون العقوبات الجديدة على لبنان، وتحديدًا على «حزب الله» والدائرين في فلكه، والذي سيأتي إستكمالاً لعقوبات سابقة كانت بدأت من خلال قانون أقرّه الكونغرس الأميركي في العام 2015. والمشروع الجديد سيطال – بحسب المصادر، مؤسّسات عدّة كانت مُستثناة في لائحة العقوبات السابقة، وشخصيّات جديدة سيتم تحديدها بالإسم، وهي في أغلبيّتها مُقرّبة من «الحزب» أو تنتمي إلى الخط السياسي نفسه. إشارة إلى أنّ مشروع قانون العقوبات الجديد صار بمرحلة لا يُمكن الرجوع عنها، وهو يهدف بحسب ما يُصرّح به المُشرّعون في الولايات المتحدة الأميركيّة إلى تجفيف المصادر المالية للجماعات التي تتهمها الإدارة الأميركيّة بالقيام بعمليّات إرهابيّة، لكنّه يرمي عمليًا وفي جانب منه، إلى التضييق على العديد من الجماعات التي تُشكّل تهديدًا لإسرائيل. وكشفت المصادر أنّ الوفد اللبناني سمع كلامًا أميركيًا مفاده أن لا مجال لسحب مشروع العُقوبات الجديدة، لكن مع وُعود بإمكان تحديدها وحصرها حتى لا يتأثّر بارتداداتها سوى الأشخاص والجهات والمؤسّسات المعنيّة مُباشرة بها. وعلى الرغم من أنّ الحريري والوفد المُرافق إلتقى كلاً من وزير الخزانة الأميركي ستيفن مانوشين، والمديرة التنفيذية للبنك الدَولي كريستالينا جبور جيفا، ومديرة الصندوق الدولي كريستين لاغارد، إضافة إلى فريق العمل اللبناني في البنك وصندوق النقد الدوليين، فإنّ مُحاولات وقف موجة العُقوبات الجديدة باءت بالفشل.
إشارة إلى أنّ رئيس الحكومة إصطحب معه في جولته الأميركيّة مدير مكتبه نادر الحريري، ومُستشاره لشؤون النازحين الدكتور نديم الملا، إضافة إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكان لافتًا – بحسب المصادر حرصه على تواجد وزير الخارجية جبران باسيل أيضًا، مع تسجيل مُفارقة لافتة تمثّلت بُحضور مُستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية إلياس أبو صعب، الأمر الذي فُسّر وكأنّه غطاء سياسي حاول رئيس الحكومة الحُصول عليه من رئيس الجمهورية الذي لم يُبد أي مُعارضة. وأضافت المصادر أنّ الكثير من شخصيّات «محور المُقاومة» أبدت إستغرابها لتغاضي رئيس الحكومة اللبنانية عن إفتراءات أميركيّة عدّة بحقّ «حزب الله»، وسكوت كل من الوزير باسيل والوزير السابق أبو صعب عنها أيضًا.
ولفتت المصادر إلى أنّ «حزب الله» الذي أعلن مرارًا أنّه لا يأبه لأي عُقوبات لأنّه يعتبر نفسه غير معني بها من الناحية العملانيّة، غير راض على مضمون الزيارة وعلى نتائجها. وهو سرّب لمن يعنيهم الأمر أنّ بعض الإجتماعات التي عُقدت في واشنطن لم تكن ضروريّة، وهي لا تعود بأي فائدة على لبنان، لا بل تزيد من الشرخ الداخلي وتُضاعف حجم المخاطر والضُغوط الخارجية عليه.
وخلصت المصادر إلى توقّع أن لا تمرّ مُحادثات رئيس الحكومة الأخيرة في واشنطن مرور الكرام في الأيام القليلة المُقبلة، بدءًا من جلسة مجلس الوزراء اليوم صُعودًا، لأنّ «حزب الله» رافض للمضمون السياسي الذي رافق الزيارة، خاصة وأنّه تساهل في الماضي إزاءها حتى لا يُقال إنّه عرقل المساعي الرامية إلى تخفيف العقوبات عن لبنان، قبل أن يُفاجأ بأنّ النتائج جاءت عكسيّة، حيث يُتوقّع إزدياد هذه العقوبات في المُستقبل القريب! في المُقابل، رفضت أوساط «تيّار المُستقبل» تحميل رئيس الحكومة أي مسؤولية عمّا حصل أو سيحصل، مُشيرة إلى أنّ الحريري زار واشنطن لبحث مواضيع أساسيّة وبذل كل طاقته لمُعالجة الأزمات التي يواجهها لبنان، وفي طليعتها مسألة العُقوبات الجديدة. وقالت إن لا خلفيّات سياسيّة للزيارة الأخيرة لواشنطن والتي تندرج ضُمن سياسة إنفتاحيّة على القوى الكبرى والمؤثّرة في الوضع الإقليمي يُمارسها رئيس الحكومة حاليًا، كاشفة عن أنّ الحريري سيتوجّه إلى موسكو في أيلول المقبل، وذلك في زيارة رسميّة تلبية لدعوة من نظيره الروسي ديمتري ميدفيديف نقلها إليه السفير ألكسندر زاسبكين، وهي ستبحث شؤونًا عسكريّة وإقتصاديّة وثقافيّة، إلخ.