في ضوء الحديث المتزايد عن غياب لبنان الرسمي عن الاجتماع الذي عقد في الأردن من أجل بحث ملف النازحين، وبالتالي عدم المشاركة في النقاش والمقررات التي صدرت عن المجتمعين، تجزم أوساط سياسية مطلعة، أن لبنان هو البلد الأول المعنيّ بملف النزوح السوري في المنطقة، وذلك لعدة أسباب تفترض أن يكون حاضراً في أي اجتماعٍ عربي أو دولي، يخصّص للبحث بالحلول المناسبة لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم. إلاّ أن هذه الأوساط، لا ترى في عدم مشاركة لبنان في اجتماع عمان، أي تأثير في المداولات التي سجّلها ممثلو الدول الخمس التي حضرته، وخصوصاً أنه كان حاضراً من خلال كل ما طرح في هذا المجال، وبالتالي فإن عدم المشاركة يعود لأسباب عديدة لم يتمّ الكشف عن طبيعتها، باستثناء أن المجتمعين قد عرضوا واقع النزوح بشكلٍ عام والمقاربات المقترحة للحلول، ولا سيما أن استضافة لبنان ونسبةً لمساحته الجغرافية، يستضيف العدد الأكبر من النازحين السوريين على أرضه، وقد أخذ جانباً أساسياً من البحث خلال الاجتماع المذكور.
ووفق هذه الأوساط، فإن اجتماع الأردن قد عرض ظروف الواجب توافرها من أجل تحقيق عودة النازحين من عدة دول مجاورة لسوريا، كالأردن نفسها وتركيا ولبنان، على قاعدة ترتيب العلاقات بالدرجة الأولى مع القيادة السورية، كمرحلة تمهيدية تسبق البدء بتنفيذ عملية عودة النازحين السوريين إلى وطنهم. وفي هذا المجال، لم يكن غياب لبنان متصلاً بمعطيات داخلية، بقدر ما هو مرتبط بمجموعة عوامل أبرزها توجيه رسالة من المجتمعين إلى الدولة اللبنانية، التي لم تبادر إلى أي بحثٍ أو نقاش جدي مع أي طرف معني بالنزوح وعلى وجه التحديد مع الدولة السورية، باستثناء الخطوات التي بدأ تنفيذها أخيراً، بالإضافة إلى الضغط على المسؤولين اللبنانيين من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والعمل على إطلاق علاقات ديبلوماسية، وحضور ديبلوماسي لبناني فاعل في المنطقة وفي الاجتماعات التي تبحث المواضيع والملفات المشتركة، وبالتالي توجيه رسالة عربية إلى المعنيين في بيروت من أجل العمل على تحمل مسؤولياتهم حيال أكثر من ملف وأزمة، كالأزمة التي بات يشكلها النزوح السوري في لبنان، خصوصاً مع استمرار الارتفاع بأعداد النازحين، نتيجة عمليات التهريب التي تحصل عبر المعابر غير الشرعية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فقد بات من الضروري وكما تضيف الأوساط السياسية المطلعة، الحذر من احتمال تراجع الاهتمام العربي بلبنان، مع ما يتضمنه هذا الأمر من محاذير تتجاوز ملف النزوح إلى ملفات أخرى متصلة بالعديد من الملفات الشائكة التي يعاني منها لبنان، وتستلزم رعايةً ودعماً عربياً في المرحلة المقبلة.
وبالتالي، فإن ما تواجهه الساحة اللبنانية الداخلية من تداعيات وصلت إلى مستوى دقيق من حيث السلبية، يستدعي التحرك داخلياً كما ديبلوماسياً لوضع الحلول الممكنة، بمعزلٍ عن الأرباك الحكومي الذي بات يحكم هذا الملف في الفترة الأخيرة، نتيجة تسليط الأضواء بشكلٍ مستغرب من حيث التوقيت على أوضاع النازحين السوريين، وعلى الانعكاسات المباشرة على المشهد الداخلي، سواء من الناحية الاقتصادية أو المالية أو الاجتماعية أو حتى التربوية.