Site icon IMLebanon

هل من يعرف شيئاً عن طاحونة كفريا الأثرية؟

 

 

من صدّر كبتاغون بالرمان قد ينجح في تهريب الآثار

 

إستعرت من جديد قضية “زون الآثار” في منطقة كفريا – زغرتا. فالسكان يجزمون أن الأعمال عادت إليه على الرغم من وجود قرار من مديرية الآثار بإيقاف العمل فيه. في حين ان المديرية تقول: “لا علم لي بذلك”. وبين بين، سؤال طُرح: ما مصير حجر المطحنة الأثري الذي كان في المنطقة ويزيد عمره عن 1500 عام؟

قبل عامين بالتمام والكمال، في أوائل حزيران من العام 2019، قررت وزارة الثقافة حماية تاريخ لبنان وآثاره عبر إيقاف الأعمال التي تقوم بها شركة ويلكو لبيع الدواجن ومشتقاتها في بلدة كفريا في قضاء زغرتا، بهدف إنشاء مداجن للشركة، تبين من خلال عمليات الحفر وجود آثار قديمة فيها. ويومها نوّه الجميع بما أقدمت عليه وزارة الثقافة التي كشفت على المكان “وطلبت من الأجهزة المختصة وقف الحفريات التي تسهم بطمس جزء من حضارة لبنان وآثاره”. حسناً فعلت هذه الوزارة. لكن، كما كل شيء في لبنان، يتكل الفاعلون على “النسيان” وعلى اغتنام الفرصة السانحة التي تخولهم المضي بأعمالهم في الخفاء. لكن عيون أهل كفريا “عشرة عشرة” فاكتشفوا استئناف الأعمال بعد توقف. وحين راجعوا لم يجب أحد. وحين كرروا نفت المديرية ذلك. فهل الأهالي يكذبون ام ان المديرية تخفي الأمر لمصلحة طرف ما؟

 

إتصلنا بمدير عام الآثار المهندس المعماري، إبن بلدة عبدللي في قضاء البترون، سركيس خوري لسؤاله مباشرة فأجاب: “هذا ملف قديم. أرسلتُ كشفاً الى البلدة وتبيّن أن في الأمر لبساً. ثمة خلافات هناك لا يمكن للمديرية الدخول فيها”. نُخبره عن صور ارسلها الأهالي فيجيب “سأرسل كشفا جديداً”. وما مصير حجر الطاحونة الأثري الذي اكتشف قبل عامين في المكان وعمره 1500 عام؟ يجيب: “لا أعرف، سأراجع مسؤول المنطقة عنه”. هل يمكننا مراجعته بأنفسنا؟ يجيب مدير عام الآثار: “لا يحق له ولي الكلام بلا إذن. في كل حال إذا ثبت لنا أن الأعمال تُستكمل سنشتكي على الفاعلين وهذا الأمر لن “يقطع”.

 

كلام المدير يُناقض كليا كلام الأهالي. فمن (وعذراً من الجانبين) نُصدق؟ إبن البلدة سركيس بو عبدالله يتحدث عن مشروع الطيور الذي يُراد تشييده في البلدة واوقف القسم الذي شُيد فيه المبنى الذي اكتشفت فيه الآثار، كما اوقف القسم الآخر من قبل وزارة الصحة بعد أن اكتشفت فيه ضررا بأهالي البلدة وحولت قرارها الى وزارة الداخلية التي طلبت من المحافظ وقف الأعمال، لكنه لم يُبلغ الشركة إلا بعد أن حفرت الأرض وبنت مزرعة من أصل 12 مزرعة تنوي تشييدها. وهذا ما تكرر في البقعة التي وجدت فيها الآثار والتي تبلّغ بها سركيس خوري. وصدر قرار عن وزارة الثقافة بالتريث. مع العلم أن وزارة الصحة منعت الرخصة التي منحها محافظ الشمال رمزي نهرا الى الشركة وأصدرت كتاباً اعتبرت فيه ان الأعمال باطلة مئة في المئة”.

 

الحجر الأثري الضائع

هذا هو أصل القضية فماذا في فصولها الجديدة؟ يجيب بو عبدالله “عاد العمال للعمل في القسم الذي بانت فيه الآثار. ابلغنا القوى الأمنية التي تركتهم لأنهم يحوزون رخصة من المحافظ. طلبت مدير عام الآثار فأجابني: سلمت يداك لأنك أخبرتني. عدتُ وطلبته فقال إنه أرسل لجان الكشف وستضع توصياتها. أجبناه: وماذا تبدل من عامين الى اليوم؟ فلا الأرض زحلت ولا طوفان حدث ولا الساحل انتقل الى الجبل. فقرار وزارة الثقافة سابقاً كان واضحاً: إيقاف العمل في المكان”.

 

أين الطاحونة؟

 

ما التبرير لما استجدّ بحسب المتكلم باسم البلدة؟ يجيب بو عبدلله: “يبدو أنهم أدركوا أن قراراً نهائياً سيصدر قريباً بوقف الأشغال لذا يحاولون الإنتهاء من الأعمال التي بدأوها في موقع الآثار. ويستطرد: سألنا ايضاً عن حجر الطاحونة الأثري ولم نجد جواباً. وهذا الأمر يتطلب نيابة عامة. فهناك من أخذ الحجر الأثري. وربما يكون قد بيع. فهل يجوز أن تختفي قطعة أثرية سبق وقال لنا سركيس خوري أنه يفترض أن تكون في المتحف الوطني؟”.

 

كفريا – زغرتا

مدير عام الآثار يجهل مكان القطعة الأثرية. يحتاج الى أن يسأل عنها. وأهالي كفريا يرددون: هي ضائعة. فهل من لديه إجابة واضحة مباشرة عنها؟ هنا تسترجع بلدة كفريا ما حصل قبل حين، قبل أقل من شهر، يوم أوقفت الأردن مطحنة حجر يدوية، في طريقها تهريباً من لبنان الى الكويت، قيل أن عمرها 600 عام. فمن يجزم لهم أن حجر الطاحونة الأثري الخاص ببلدتهم في أمان؟ حقهم أن يسألوا وواجب وزارة الثقافة أن تجيب. في كل حال، لم ينسَ هؤلاء بعد كلام وزارة الثقافة ونفيها تسهيلها عملية التهريب بين لبنان والكويت. ويومها أحيل الملف على الجهات القضائية للتوسع وإظهار من ارتكب جرم تزوير وإخراج قطع أثرية من لبنان. ولا تزال كفريا ولبنان واللبنانيون ينتظرون النتيجة.

 

المشكلة أن اللبناني ما عاد يثق بشيء. فالشكوك تحوم حول كل الأشياء فيه. وبعدما خسر اللبنانيون قطاعات “بأمها وأبيها” في لبنان من حقهم أن يخشوا على ما تبقى من آثارهم. ومعلوم أن نهب الآثار يسهل حين تشتدّ الازمات في البلاد. ثمة مافيات وسوق سوداء عالمية تنشط في الدول التي تواجه أزمات. وإذا كان المازوت والدواء والبنزين تُهرب من لبنان فما بالكم بتهريب الآثار.

 

لجنة تقصٍّ…

 

نعود الى كفريا في قضاء زغرتا. الأهالي يبصمون ويؤكدون أن وزارة الثقافة لم ترسل أي لجنة إستقصائية جديدة لمراقبة الموقع المصنف أثرياً. أما وزارة الثقافة فوعدت بإرسال لجنة جديدة في خلال اليومين المقبلين. لكن، ماذا لو عمد من يقومون بالأعمال الى إيقاف العمل، بعد اتصال قد يردهم، الى حين وصول اللجنة ومغادرتها؟ هذا ما حصل سابقاً وهذا ما قد يتكرر. الأمر يحتاج الى خطوات سريعة وجدية ونهائية. في هذا الإطار، هناك من سيقول: البلد في الويل، والنهب على قدم وساق، والوزارات كلها أخفقت في مصالحها فكيف لكم أن تخالوا أن أحداً سيبالي في هذا الوقت الصعب بحجر طاحونة أثري وبموقعٍ ثبت غناه أثريا؟ الجواب يأتي من كفريا بالذات: هناك من غضّ، أو سيغض النظر عن حقوقه أما نحن فلا.

 

الكرة الآن في ملعب وزارة الثقافة اللبنانية التي عليها أن تعلن أولا أين القطعة الأثرية وأن تقطع الشك باليقين في هذا الموضوع. فالأهالي يهتمون بإرثهم الثقافي وهذا حقهم. أما في خصوص ما قاله مدير عام الآثار حول خلافات تحصل في المنطقة فلتكن المديرية أعلى من كل هذه الخلافات ولتفرض الحقّ ولتقم بتطبيق القرارات التي سبق وصدرت عن وزارة الثقافة بالذات وهناك كتاب صادر عن النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم حول موقعة كفريا الأثرية فليطبق.

 

يبقى أن الأهالي يلومون مدير الآثار لأنه رجل يفهم في علم الآثار أما وزير الثقافة عباس مرتضى فهو اختير وزيراً لوزارتين لا تمتان الى بعضهما بصلة: الزراعة والثقافة وليس معنياً كاختصاصي، لا من بعيد ولا من قريب، بالآثار والثقافة. وبالتالي قد يكتفي بالتنديد والإستنكار والشجب والإحالة إذا اختفت قطع أثرية جديدة من لبنان. أليس هذا ما فعله يوم انتقلت “الرمانات” المحملة كابتاغون الى المملكة العربية السعودية؟

 

يثير ما يحدث الآن في كفريا، بعيدا عن قضية مزرعة الطيور المنوي إقامتها، المخاوف من أن يكون مهربو الآثار قد عادوا ينغلون مع كل المهربين الآخرين في لبنان. وإذا كان هناك من صدّر رمانا محشواً بحبوب الكبتاغون الى السعودية من دون أن تنتبه وزارة الزراعة فلا شيء يمنع أن تسهو العين عن قطع أثرية محتمل خروجها.

 

فليعد حجر الطاحونة. فلتحل قضية كفريا في قضاء زغرتا. هذا حق الأهالي ولبنان والثقافة والآثار.