يمكن لثُلاثي قمة أنقرة، رؤساء روسيا فلاديمير بوتين، وتركيا رجب طيب أردوغان، وإيران حسن روحاني، تبادل التهاني على نجاحهم المبدئي في تقاسم النفوذ في سوريا. وقدرتهم على تطويع الجبال والبحار من أجل تثبيت حصّة كل منهم فيها، بما يتلاءم مع مصالحه وشعاراته وأهدافه الأخيرة!
لكن يمكن في موازاة ذلك، الانتباه إلى معضلة حقيقية، إرتُؤيَ من قِبَل ثُلاثي القمة تأجيل «البتّ» فيها، كي لا «ينفخت» الدفّ ويتفرّق المجتمعون ويفسُد العرس.. وتلك هي أنّ «سوريا» التي وُعدت في بيان أنقرة، «بمواصلة التعاون من أجل إحلال السلام والاستقرار فيها»، لم تعد موجودة عملياً و«موضوعياً» سوى في ذلك البيان! وفي مسوّدات وبياضات البيانات العامة الصادرة عن الحكومات والدول والمنظمات الدولية.. كما عند بقايا السلطة الأسدية التي تواصل «عملها» كالمعتاد! وتصدر مراسيم و«قرارات» وكأنّها في كل حال، لا تزال كامشة مؤسساتها الرسمية! أو كأنّها لا تزال تمون على «سيادتها» و«حدودها».. أو على عموم «مواطنيها»!
والعنوان الإيجابي الجامع لا يلغي المضمون السلبي: أول شروط «نجاح» قمة أنقرة، هو تثبيت «فشل» الكيان السوري! وتأكيد تفتّته! وتوزيعه كمغانم حرب على «المنتصرين»! ثم الإمعان في تظهير حقيقة أن المقتلة لحقت بطرفَي النزاع من السوريين! وأنّ الهزيمة مشتركة، وإن كان أحد ذينك الطرفَين هو الجلاّد والمُرتكب. ثمّ صاحب الادّعاء بأنّه شريك لـ«المنتصرين» المحتفلين بانتصارهم في العاصمة التركية!
والتبسيط طبيعي بقدر وضوح الصورة: غابت «المعارضة» الوطنية السورية عن قمّة الباحثين في «مصيرها» الأخير! وغابت أيضاً بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد عن تلك القمة برغم أنّ الدفاع عنها ومنع سقوطها هما عنواناً «تدخّل» طرفَين من أطرافها الثلاثة! وبرغم أنّ هذين الطرفَين، أي روسيا وإيران يمكنهما الادعاء «الانتصاري» أكثر من الطرف الثالث، الذي يمكن اتهامه، مع شيء من الافتراء، بـ«التواطؤ الاضطراري» بعد أن حُشِرَ في زاوية «الحضور» الروسي مقابل «الغياب» الأميركي! وتفلّت الوضع الميداني باتجاه يقظة كردية كان لا بدّ من لجمها خارج الحدود التركية، قبل أن تتمدّد وتنفجر داخل تلك الحدود!
صحيح نسبياً إدّعاء أصحاب قمّة أنقرة بأنّ المرحلة الآتية ستكون «أهدأ» مما سلف، خصوصاً أنّ الغوطة خرجت من مشهد المتناقضات، وانتهت كدفرسوار في عمق «مناطق» النفوذ الإيراني – السوري! لكن الصحيح أكثر، أنّ تلك القمة وضعت الحجر الأساس لتثبيت تقسيم سوريا برغم ادّعاء التمسّك بوحدتها! وترسيم «حدود» كل فريق خارجي معني بها حتى لو كان غائباً. وهؤلاء هم: الروس والإيرانيون في الوسط والساحل الشمالي. والأتراك في معظم الشمال وبعض الشرق. والأميركيون في الشرق المحاذي للمثلّث الحدودي السوري – العراقي – الأردني.. فيما تبقى المنطقة الجنوبية موضع إلتباس لا يغيّب حقيقة اعتبارها محطّ «متابعة» إسرائيلية دقيقة ومباشرة، ما يجعلها شبه «خط أحمر» مرسوم بحبر روسي! وممنوع على الإيراني تخطّيه!
ومن الحصافة الافتراض، بأنّ هذه المرحلة عابرة وليست دائمة حتى وإن طالت بعض الشيء! ومن الحصافة أكثر الافتراض، بأنّ «عودة» سوريا إلى «وحدتها» ستبقى مستحيلة مع بقاء رئيسها السابق في موقعه الراهن!
بهذا المعنى، نعم: نجحت قمة أنقرة، لكن على حساب خسارة كل السوريين! وغير ذلك تخريص لا يليق إلا بمُمانِعي آخر زمن، وصيحاتهم الديكية المألوفة!
علي نون