الاحتفال بذكرى 13 تشرين هذا العام مختلف عن غيره من السنين السابقة. تحمل هذه السنة، بالنسبة إلى العونيين، أملاً حقيقياً بأن يعاود عمادهم دخول بيت الشعب ببزّة رسميّة، وتحقّق لهم ما عجزوا عن تحقيقه منذ 26 عاماً. ينتظر هؤلاء تبنّي الحريري لترشيح العماد عون، والموعد المُنتظر هذا الأسبوع
ما من مكان محبّب إلى قلب العونيين أكثر من «بيت الشعب»؛ فالطريق إلى هناك لا يشبه طريقاً آخر. هناك كانت بداية النضال، والحلم ببناء دولة. أمس عاد العونيون إلى الطريق نفسه الذي افترشوه منذ 27 عاماً، وقائدهم على قاب قوسين من العودة إلى القصر رئيساً. لم ينتظروا الحادية عشرة من صباح أمس لبدء التوافد إلى طريق القصر الجمهوري في بعبدا، كما هو مُعلن في برنامج الاحتفال الشعبي الذي نظّمه التيار الوطني الحرّ بذكرى 13 تشرين، بل قادتهم حماستهم إلى هناك منذ ليل السبت. افترش بعضهم الأرض بانتظار اللقاء المُنتظر، ولاقاهم الآلاف فجر أمس.
منذ السادسة صباحاً، استنفرت اللجان التنظيميّة لتستقبل الوفود الشعبيّة، وترشدهم إلى مواقف السيّارات، وتسهّل وصولهم إلى التجمّع الكبير، فيما يتجوّل أفراد من «لجنة الانتساب» لتعبئة استمارات لمن يودّون إعلان التزامهم حزبياً.
عند السابعة والنصف، بدأ «شعب عون» بالتوافد. لبّى هؤلاء النداء مجدّداً، ليمتلئ الطريق بهم قرابة الحادية عشرة، مع استمرار الحشود في التجمهر حتى الثانية عشرة، موعد انطلاق الاحتفال.
خطاب عون عكس قرار التهدئة الذي اتخذته الرابية منذ بدء جولة المفاوضات الرئاسية الأخيرة
كلّهم قدموا بوصفهم عسكراً، سواء كانوا معارضين للقيادة الحزبيّة أو موالين لها أو حتى مناصرين للجنرال حصراً، لا تعنيهم الأمور الأخرى. لم يكترث هؤلاء إن جلسوا على الأرض أو على حافة الطريق أو تسمّروا وقوفاً لساعات، فقد أرادوا تأكيد دعمهم لعون أولاً، وأحقيّة وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى ثانياً، واستعدادهم لتلبية ندائه مجدّداً ثالثاً. بعضهم حمل صور العماد ببزّة عسكريّة تقابلها صورة ببزّة رسميّة، عسى الحلم يتحقّق قريباً، فيما حمل آخرون صور الشهداء، وصور تشرين 1990، وسلالاً فارغة وجّهوا بها رسالة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، صاحب شعار «سلّة التفاهمات قبل الرئاسة». أمّا الهيئات المحليّة واللجان المركزيّة فلم تجد أمامها سوى التباري بحجم الأعلام المرفوعة بأسمائها، ففاز في التحدي مكتب المهنيّات في قطاع الشباب.
«لقد تخطّى عدد المشاركين هذه السنة عدد المشاركين السنة الماضية»، بحسب اللجنة المنظّمة، باعتبار أن «عمل الهيئات المحليّة كان أكثر تنظيماً، وهي بدأت بالحشد منذ أكثر من شهر، وكذلك الأمر بالنسبة إلى البرامج الإذاعيّة والدعوات المتلفزة المتواصلة لتحفيز الناس على المشاركة». أمّا اللافت في هذا العام فهو التغطية المباشرة التي خصّصها تلفزيون المستقبل للاحتفال، وهو ما زاد من تفاؤل القاعدة الشعبيّة بقرب التسوية الرئاسية.
بعد تأخر ساعة، بدأ الاحتفال بوصلات أوبراليّة جامعة بين «الله أكبر والأبانا»، يقطعها بين الحين والآخر صوت بيار رفول ليسرد بعضاً من قصص 13 تشرين 1990، وحبيب يونس ليردّد أبياتاً شعريّة تحمّس الموجودين، قبل أن يلقي رئيس الحزب، الوزير جبران باسيل، كلمته التي لم تحمل ما لم يكن متوقّعاً، إذ أتت مكمّلة لما سبق أن صرّح به في إطلالته التلفزيونيّة الأخيرة، أي تأكيد أن «لبنان بلا ميثاق ليس وطناً»، وأن «الميثاق ليس ثنائياً ولا ثلاثياً بل محوره مصلحة لبنان»، أمّا «وصول العماد عون إلى قصر بعبدا فسيحوّله أباً لكل اللبنانيين وضمانة لهم، إذ لن يقبل بقاء أحد خارج الوطن».
كلمة باسيل بهدوئها لا تختلف عن الخطاب الذي ألقاه العماد عون من خلف الشاشة لـ»أسباب أمنيّة»، عكس فيه قرار التهدئة الذي تتبعه الرابية منذ بدء جولة المفاوضات الرئاسيّة الأخيرة. كان من المتوقّع أن يكون الخطاب مختلفاً، أو بالأحرى أكثر تفصيلاً، لو أعلن الرئيس سعد الحريري ترشيح الجنرال قبل موعد 16 تشرين، ولكنه ما زال موعداً مؤجّلاً. «الأرجح أنه سيكون خلال هذه الأسبوع»، بحسب ما تشيع الأجواء العونيّة.
بعد أكثر من ربع قرن، لم يتعب العماد، ولم يتراجع، ولم يكفّ عن الحلم ببناء الدولة، هذا ما يؤكّده خطابه. أمّا مناصروه فلا يختلفون عنه، وهم على أهبة الاستعداد لتلبية ندائه متى ناداهم. بعد 26 عاماً لم يتغيّر العماد ولا مناصروه أيضاً. هو على مبادئه وثوابته وتصميمه على «بناء دولة المؤسسات والقانون، عبر احترام الميثاقيّة والمشاركة من دون كيديّة أو عزل». وهم على وفائهم وإيمانهم بأنه خشبة الخلاص الوحيدة الباقية لهم. المبادئ والأحلام التي حملها خطابه أمس لا تبتعد عن واقعيّة تتطلّبها المرحلة الراهنة، ظهرت بهدوء النبرة ومحاولة الجمع، عاكسة الأجواء الإيجابيّة التي وصلتها المفاوضات مع الرئيس سعد الحريري التي يتوقع أن تعيده إلى قصر بعبدا رئيساً للجمهوريّة.
13 تشرين الأوّل 1990 انتهى كارثياً؛ يومها كان الجنرال وحده. وقبل سنة، وربّما أشهر من اليوم، كانت بكركي ضدّه، وسمير جعجع يحارب شرعيّته، والحريري يهرب من وعود قطعها له. أمّا في 13 تشرين الأوّل 2016، فتبدّلت المعادلة، وهناك أمل لدى مناصريه… أمل كبير بالعودة القريبة إلى «بيت الشعب».