IMLebanon

ذكرى مصالحة الجبل أظهرت اتساع الهوّة بين «القوّات» و«التيار الحُرّ»

    ظلال من الشكوك حول قدرة «تفاهم معراب» على الصمود إزاء تراكم التباينات

أظهر الاحتفال بالذكرى الـ16 لمصالحة الجبل، بالشكل والمضمون، فقدان الانسجام بين القوى المسيحية المعنية بها، إلى غياب رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط عن قداس «سيدة التلة» في دير القمر وإيفاده نجله تيمور، وغيابه كذلك عن احتفال قصر المير أمين، ما أثار الكثير من التساؤلات في أوساط المشاركين عن أسباب عدم حضور أطراف مسيحية وازنة، كـ«التيار الوطني الحر» وحزبي «الكتائب» و«الأحرار»، لهذه المناسبة الهامة والتي كرّست عودة المصالحة إلى الجبل وتعزيز صيغة العيش المشترك بعد سنوات من الحروب والتقاتل البغيض.

ومن خلال المواقف التي أُعلنت في الساعات الماضية، يظهر بوضوح عمق التباينات بين القوى المسيحية، سيما بين «القوات اللبنانية» من جهة و«التيار الوطني الحر» و«الكتائب» و«الأحرار» من جهة ثانية، حيث وجّه المقاطعون لاحتفال المير أمين سهام الانتقاد إلى «القوات اللبنانية» واتهامها بأنها جيّرت هذه المناسبة الوطنية التي تعني كل أبناء الجبل وأطيافه السياسية، لغايات انتخابية ضيقة، في وقت كان ينبغي أن تحرص على أن يكون الجميع ممثلين في هذه الذكرى الجامعة، في إطار التأكيد على ترسيخ دعائم المصالحة التي جرت وطوت صفحة أليمة من تاريخ الجبل، لكن يبدو أن حسابات البعض السياسية والانتخابية في آن دفعت إلى استغلال ما جرى وإبعاد المناسبة عن رمزيتها وأهدافها.

وإذا كان «القواتيون» يؤكدون أنهم وجهوا الدعوات لكل الأطراف لحضور هذه الذكرى، إلا أن غياب حليفهم «التيار الوطني الحر» عن مناسبة المير أمين، عزز الشكوك أكثر فأكثر بتراجع زخم «اتفاق معراب» وتراكم الإشكاليات بين الحليفين المسيحيين، حيال أكثر من ملف ساخن يجري التداول به من بواخر الكهرباء، إلى التعيينات، إلى التحالفات الانتخابية، الأمر الذي دفع المراقبين إلى رسم ظلال من الشكوك حول مدى قدرة هذا الاتفاق على الاستمرار والصمود، في حال استمرت هذه التباينات قائمةً بين ركنيه، ولم تحصل معالجات في العمق لمكامن الخلل الظاهرة بين «القوات» و«الوطني الحر»، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية وانعكاساتها على مصير التحالفات بين الفريقين.

ولا تُخفي أوساط نيابية «كتائبية»، استياءها من الأسلوب غير اللطيف الذي تم اعتماده من قبل البعض في الترتيب لذكرى المصالحة، بحيث جاء الاحتفال بها منقوصاً في ظل غياب عدد من أركان هذه المصالحة التي جرت في العام 2001، في حين أن أطرافاً سياسية حاولت استغلالها لمصلحتها لاعتبارات سياسية وانتخابية ما كان يجب أن تظهر نافرةً بهذا الشكل الذي ظهرت به، وأن يُصار إلى احتكار المصالحة لمصلحة فريق بعينه وتهميش الأطراف الأخرى، في الوقت الذي شكل غياب «التيار الوطني الحر» عن احتفال قصر المير أمين، رسالةً مباشرة إلى «القوات اللبنانية»، بأن الأمور معها ليست على ما يرام، ولا بد بالتالي من قراءة هذه الرسالة بمضامينها وأبعادها، بغية إصلاح مكامن الخلل في علاقة الطرفين، من أجل تحصين «اتفاق معراب» وتنقيته من الشوائب التي تعتريه، سيما وأن الممارسات السياسية التي ظهرت داخل مجلس الوزراء وخارجه، أظهرت تراجع هذا الزخم في العلاقات بين الطرفين المسيحيين، وفتحت الأبواب أمام سيلٍ من التساؤلات عن مدى قدرة الاتفاق على البقاء صامداً في مواجهة ما قد يتعرض إليه من تحديات وضغوطات في المرحلة المقبلة، في ضوء القراءات المختلفة جذرياً لـ«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» من قضية تحرير الجرود التي يتولاها «حزب الله»، بمعزل عن إرادة السلطة السياسية وقرارها العسكري. ففي حين يوجّه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الشكر لـ«حزب الله» لدوره في تحرير هذه الجرود، يواصل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ونوابه حملتهم على تفرّد «حزب الله» بقرار الحرب والسلم وضربه لقرار الدولة وسيادتها عرض الحائط، الأمر الذي أصاب «اتفاق معراب» باهتزازات أثرت على ركائزه وطرحت علامات استفهام حول مصيره، في حال لم يبادر الطرفان إلى إجراء مراجعة نقدية للمرحلة السابقة تعيد الأمور إلى نصابها وتفتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التعاون البنّاء والجاد لمصلحة المسيحيين واللبنانيين.