IMLebanon

الإعلان عن النخبة الحاكمة السورية الجديدة

 

وكأن روسيا وإيران وتركيا قد أنجزت كافة التسويات وانتهت من صناعة السلم في سورية ورتبت جميع الملفات المتعلقة بالصراع في هذا البلد المنكوب، وهي الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة، والتي غالباً ما تتعلق بهيكلية الحكم وتوزيع المناصب وترسيم أدوار الفاعلين.

الهروب من جنيف إلى سوتشي، في حين لم يتم إنجاز تفصيل صغير واضح، ليس هدفه ترشيق المفاوضات على ما يقول الروس وتحريكها عبر ورشة عصف فكري تتكون من 1700 شخص يمكنها إنتاج أفكار خلاقة تنقذ المفاوضات من مأزقها الحالي ووضع الجمود الذي وصلت إليه، وتقديمها لوفدي النظام والمعارضة باعتبارها أفكار من صناعة سورية وتملك قوة معنوية، كون الروس يعتبرونها «سوتشي» ممثلة لجميع السوريين، ما دام أن الألية التي ستنتجها اسمها المؤتمر الوطني، وأن أعضاءه يمثلون كامل الطيف السوري، بطوائفه وقومياته وطبقاته وفئاته وشرائحه.

وليس خافياً أن الهدف من وراء ذلك، هو إيجاد آلية جديدة تحتل مكانة عليا وتصبح جميع الأطر والآليات الأخرى تابعة لها على قاعدة التدرج، فيمكن تحديد مشروعية أي إطار انطلاقا من مدى توافقه مع طروحات الألية الكبرى التي لا يجوز مخالفة ما تقرره، وإن كانت تسمح بالإجتهاد ولكن دائما تحت سقف ما تقرره هي، وضعية تشبه تراتبية الدستور مقارنة بالقوانين المحكومة بالتكيف الدائم معه، وفي حال الاختلاف يتم الرجوع إلى هذا الإطار واستبعاد الأدنى لمصلحة الأسمى، والذي سيكون هنا الأمن والاستقرار والشرعية وفق تعريف الثلاثي المقرر روسيا وإيران وتركيا.

حسناً، ألم يطالب السوريون بتغيير سياسي، هذا تغيير سياسي يكاد يوازي قلب منظومة حكم كاملة وإحلال أخرى بدلاً منها، والأمر لن يقتصر عند المئات التي ستحضر سوتشي بل سيتم ضخ الألاف من الكوادر الجديدة في مؤسسات الدولة، من عناصر ميليشياوية وأعضاء لجان محلية وأشخاص تمت تسوية أوضاعهم عبر ما يسمى بالمصالحات، وهم من أبناء المناطق ويعرفون احتياجاتها ومطالب سكانها، كما تكونت لديهم خبرات إدارية وتفاوضية ويستطيعون القيام بالتوسط بين القاعدة الشعبية والهرم السلطوي.

النخبة التي ستقود هؤلاء جميعاً وستقود سورية في المرحلة المقبلة، هي التي سيتم الإعلان عنها في سوتشي، بعد أن تحدّد قوائمها روسيا وإيران وتركيا !، ويبدو أن العدد المعروض أكبر من قدرة مؤتمر سوتشي على إستيعابه لذلك سيتم غربلته لإختيار المناسب والأفضل.

وتتكون هذه النخبة في الغالب، وكما بات معلوماً لدى السوريين، من أشخاص مفحوصين، تم اختبارهم واختيارهم بعناية، في قاعات قاعدة حميميم ودهاليز المعسكرات الإيرانية ومكاتب المخابرات السورية، والكثير منهم تمت صناعتهم خصيصاً لمثل هذه المهمة، وغالبية هذه النخبة برزت في الحرب وأثبتت فعاليتها في خدمة الروس والإيرانيين ونظام الأسد، وهم تجار حروب وقادة ميليشيات وحزبيين متنقلين. أو من الرماديين والمتشاطرين الذين يسيرون مع الموجة. فضلاً عن أولئك الذين يقدّرون أن الحرب انتهت لصالح نظام الأسد ومشغليه وآن الأوان كي يلحقوا بالركب.

مهمات هذه النخبة ستكون واسعة، فهي بعد تقديم أوراق إعتمادها والإعلان الصريح عنها، ومن ثم إعلان موافقتها على المشروع الروسي للدستور وشكل الانتخابات المقبلة، لن تذهب للعطالة، بل سيكون مطلوب منها التجهّز لمهام تشريعية وتنفيذية أخرى، باعتبار أن هذه النخبة هي البنية التحتية للحكم، وهي من ستتولى إدارة البرلمان والبلديات والمجالس المحلية والنقابات، وستزكّي النخبة التنفيذية الأدنى التي ستتولى تنفيذ المهمات المقبلة في مرحلة الإعمار من إصلاح وتنظيف الشوارع إلى تسيير شؤون قطاعات التعليم والصحة وغيرها.

وبالطبع، بالنسبة للبنية الفوقية للحكم، وهي هنا رأس النظام وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، فهي بنية مقدسة وخارج أطر النقاشات، إما بذريعة انها شرعية، على ما يؤكد الروس، أو لضرورة الأمن والاستقرار، وكل ما هو ممكن هنا، تغيرات على مستوى الحكومة، والتي هي بالمناسبة بنية غير فاعلة أو مؤثرة في تنظيم الحكم في سورية.

ما قبل سوتشي لن يكون كما بعدها، إذ ستصبح محرمة المطالبة بالانتقال السياسي كما سيصبح جرماً المطالبة برحيل الأسد، وفق المنطق الروسي ستكون الوقائع السياسية قد تجاوزت هذه الأمور، ومن يلجأ لها سيكون إما شخص غير بناء وإما في أهون الأحوال منفصل عن الواقع. فما دام قد جرى النص على تغيير الدستور أو إصلاحه وإجراء إنتخابات بما فيها البرلمانية والرئاسية فإن الميدان السياسي للأزمة السورية يكون قد أغلق الباب على أي مطالب أو إعتراضات جديدة، وحاصة وأنه تم بموافقة الأمة السورية جمعاء عبر ممثليها الذين حضرو مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي.

ليس ثمة خيارات ذات قيمة لدى المعارضة لمواجهة هذه الإستراتيجية الماكرة لتصفية القضية السورية، وبخاصة في ظل تراجع دولي أمام الثلاثي الصانع لهذه الإستراتيجية، وتغير مطالب البيئة الدولية، لكن ذلك لا يعني الاستسلام والرضوخ، بل على المعارضة إدراك حقيقة أن قيمتها في التصنيف الشعبي والدولي تضعها في مكان لا تستطيع روسيا تجاوزه، ورفضها لمؤتمر سوتشي وعدم حضوره سيجعلان المؤتمر مجرد فكرة فاشلة بلا أي قيمة، وستكون قيمته الوحيدة كشفه لقوائم العملاء والمرتبطين بالأجهزة الروسية والإيرانية والتركية.