قد يصدُق التحليل الذي بلغني من مرجع دقيق في الكلام السياسي، حين يرجّح أن تكرَّس الأيام المتبقيّة من هذه السنة لإزالة العقبات والعراقيل من طريق حكاية إبريق الزيت المتمثِّلة لبنانيّاً بالاستحقاق الرئاسي ومشتقّاته.
هذا ليس كل شيء، ولا كل الكلام. فالرجل المطّلع يتوقّع أن يكون مطلع السنة الجديدة موعد لبنان مع الحدث الكبير الذي سيملأ الفراغ الرئاسي. ويملأ قصر بعبدا شبه المهجور. ويضيء مشاعل الأمل في نفوس الناس.
وكان سؤال: هل يمكن تحديد تاريخ للموعد؟
قال: إن منتصف كانون الثاني هو احتمال غير مستبعد. بالطبع، لا بدّ من هامش للمفاجآت التي قد تُقدّم أو تُؤخّر الموعد أياماً لا أسابيع…
إلا أنني هنا، وقبل الدخول إلى صرْح المبادرة الفرنسيّة، أستوقف نفسي وأستوقفكم معي بُرهة للعودة إلى “الزيارة الروسية الهادئة”، والتي استمرّت ثلاثة أيام بلياليها أمضاها نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف الموفد الشخصي للرئيس فلاديمير بوتين في الاجتماعات واللقاءات والزيارات، ولكن من غير أن يشفي غليل أحد، لا في تصريحاته ولا في مؤتمراته الصحافيّة.
إنما ما يجب التوقّف عنده هو أن بوغدانوف لم يؤمّ بيروت ليتعرّف إلى أسواقها وشوارعها ويعيش لياليها التي غاب عنها السهر، بل شرّفنا في مهمّة كلّفه “القيصر” القيام بها.
من المناسب في هذه المناسبة العودة بالزمن إلى يوم التقاء الرئيس بوتين والرئيس رفيق الحريري، وكان بوتين يومها رئيساً للحكومة. خلال الحديث عن الروسيا قديماً ولبنان الذي كان، ابتسم بوتين، للمرة الأولى ربّما، قبل أن يقول للرئيس الحريري “إن للبنانكم مكانة قريبة من قلب روسيا من قديم الزمان”.
كان لا بدّ ولا مفرّ من العودة إلى المرجع الدقيق في الكلام لاستيضاحه أبعاد الزيارة الطويلة والشاملة للموفد الروسي، وهل تحمل الهمّ اللبناني في ملفاتها، أم أنها تمتدّ بالأهميّة إلى الوضع السوري بصورة خاصة؟
فكان جوابُه مقتضباً كالعادة، غير أنه أنار لنا بعض الدروب الواسعة كما الضيّقة: علينا ألا ننسى مَنْ هي الروسيا، وما موقعها في الشرق، وما وقْعها في الغرب. ولا بأس إن تذكّرنا للمناسبة مكانة موسكو في طهران ودمشق، وأدوارها في أزمات الدولتين.
ومَنْ يدري فقد يأتي الترياق من إيران هذه المرة لا من العراق.
أما بالنسبة إلى زيارة الموفد الفرنسي جان فرنسوا جيرو، فقد أوضح معالمها ومقاصدها جيرو نفسه. فالأم الحنون تتطلّع إلى رئيس توافقي، من غير أن تتدخّل في التفاصيل، أو تغطس في بحر الأسماء.
موجز الأخذ والردّ أن فرنسا قلقة على لبنان، والفراغ الرئاسي يشغل بالها.