بين أول عملية إنتقال للسلطة داخل “التيار الوطني الحرّ” بعد تنازل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن رئاسته العام 2015 والإنتخابات الأخيرة التي جرت وفاز بنتيجتها الوزير جبران باسيل بالتزكية، أمور كثيرة تغيّرت وغيّرت معها أسس اللعبة الداخلية البرتقاليّة.
لا يستطيع احد التشكيك بشرعية باسيل في رئاسة “التيار”، لأن العملية حصلت من دون حصول أي إعتراض داخلي بغض النظر عن الأسباب التي أدّت إلى خلو الساحة أمام باسيل.
وهنا لا بدّ من استرجاع الوضعيات التي كانت داخل “التيار البرتقالي” منذ 4 سنوات والتي أدّت إلى شبه إنتفاضة على عملية توريث باسيل، لكنها لم تصل إلى نتائج ملموسة لأن باسيل أمسك اللعبة الحزبية بكل مفاصلها.
وفي ذلك الحين، وعلى رغم أن العماد عون دخل السياسة بخلفية عسكريّة، إلا أن تياره لم يكن ذاك “التيار” الحديدي، حيث نشأت مراكز قوى داخله هي كناية عن بعض النواب البارزين في أقضيتهم.
ومن بين هؤلاء النواب كان هناك إبن شقيقة الجنرال عون النائب ألان عون الذي كان مرشحاً لرئاسة “التيار” وكانت الإحصاءات تشير إلى إمكان فوزه، لكن انسحابه من المعركة بفعل ضغط خاله أدى إلى تزكية باسيل.
وإضافة إلى ألان عون، كان هناك النائب زياد أسود في جزين والذي يعتبر معارضاً شرساً، كما برز من “التيار” النائب إبراهيم كنعان في المتن، والنائب سيمون أبي رميا في جبيل.
كل تلك الاسماء خفّ تأثيرها داخل تركيبة “التيار” الداخلية لأسباب عدّة أبرزها إمساك باسيل بمفاصله بعد 4 سنوات، والتخلّص من المناضلين القدامى، إضافةً إلى تجمّع القوة السياسية والمالية في يده، كذلك، إن قانون الإنتخاب النسبي أضعف بعض النواب وفضح حجمهم بالصوت التفضيلي.
في العام 2015 أيضاً كان باسيل يسعى إلى رئاسة “التيار” بـ”زنود” عون، اليوم بات باسيل الرقم الصعب في السياسة اللبنانية وهو من يتحدّى رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويتنصّل من “إتفاق معراب”، ويعامل رئيس الحكومة وكأنه هو الحاكم، ويتحكّم بمفاصل اللعبة الداخلية، وكل هذا التقدّم الذي يحرزه باسيل مستفيداً من وصول عون إلى قصر بعبدا ودعم “حزب الله” يقابله تراجع أدوار النواب الذين كانوا يشكّلون منافسة له.
إذاً، بات باسيل يفتقد إلى منافس حقيقي، في المقابل يحاول النائب شامل روكز أن يكون البديل من جهة، ووريث “التيار الوطني الحرّ” من جهة ثانية لكن من دون الدخول إلى الهيكلية الحزبيّة، حتى إنه بات يغرّد خارج سرب تكتل “لبنان القوي”، فالبعض يؤكّد أن العميد لا يُحبذ أن يجلس في اجتماع يكون فيه باسيل الرئيس وهو المرؤوس.
ويرى بعض المراهنين على إحداث تغيير في الحالة العونية أن الرهان الأساسي يتركّز الآن على العميد روكز لأنه ابن المؤسسة العسكريّة التي انطلق منها العماد عون، كما أن مواقف روكز الأخيرة متصالحة مع نفسه وجريئة.
ويشير هؤلاء إلى أن الحالة العونية ليست حالة حزبية جامدة بل هي شعبيّة منتشرة في كل أرجاء لبنان وبين كل الطوائف من دون استثناء، وبالتالي فإن أي شخص مؤهّل لقيادتها إذا امتلك المزايا المطلوبة.
ويشرحون أن الهدف ليس أن ينتسب روكز إلى “التيار الوطني الحرّ” ويتنافس مع باسيل على رئاسة “التيار” بعد 4 سنوات، بل الهدف هو خلق حالة شعبيّة جديدة تعبّر عن المبادئ الأساسية التي قام عليها “التيار” بغضّ النظر عن اسمها.
وقد شكّلت ذكرى 13 تشرين مناسبةً لإظهار التباعد بين باسيل وروكز وسط دفع المعارضين العونيين لروكز الى إكمال المسيرة وتشكيل حالة بديلة، خصوصاً أنه يملك المشروعية الكاملة لهذا الهدف.
وهنا يطرح السؤال الأساسي: هل سيكمل روكز المشوار وينجح، أم أن حراك باسيل السياسي سيغطّي على كل تلك الظواهر ويُسلّم الجميع بالأمر الواقع؟