شكّل ظهور زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادي للمرة الأولى منذ نحو أربع سنوات و9 أشهر في فيديو دعائي نشره التنظيم عبر قنواته على تطبيق «تيليغرام» صدمة للكثيرين، لا سيما بعد أن كان يُظنّ أن الولايات المتحدة قد تمكّنت من إصابته في إحدى المعارك في سوريا، ما أدّى الى وفاته. كما أثار حديثه عن أنّ أمّة الإسلام سوف تنتقم من أمّة المسيحيين، على ما أسماها، خصوصاً بعد أن تبنّى تنظيمه تفجيرات سريلانكا الأخيرة، وأعلن على لسانه في الشريط المصوّر أنّ تفجيرات عيد الفصح في سريلانكا جاءت إنتقاماً لخسائر «داعش» في الباغوز السورية، مخاوف لدى الكثير من الدول التي تضمّ مسيحيين ومنها لبنان والعراق وسوريا ومصر والدول الأوروبية وسواها.
وترى مصادر متابعة للملف الارهابي في العالم، بأنّ ظهور «داعش» بعد قتل تنظيمه أخيراً لأكثر من 300 شخص مسيحي، وجرح أكثر من 500 في تفجيرات سريلانكا في عيد الفصح لدى الطوائف الغربية، لا يُبشّر بالخير، وإن وجد فيه البعض محاولة لدعم ما تبقّى من مقاتلي تنظيمه بعد هزائم سوريا والعراق. وعن قوله بأنّ «معركة الباغوز انتهت» في إشارة الى طرد تنظيم «داعش» من آخر جيوبه في شرق سوريا، إنّما يدلّ على انتقاله واستقراره في مكان أو بلد آخر، قد يكون العراق، أو أنّه يُخطّط لدخول العراق قريباً. وهذا الأمر يجعل دول المنطقة تعيد حساباتها لا سيما بعد أن اعتقدت أنّها تمكّنت من السيطرة على هذا التنظيم بشكل تام.
وبالنسبة للبنان، فإنّ حدوده البقاعية والشمالية وجرود عرسال قد قام الجيش اللبناني بتطهيرها من عناصر تنظيم «داعش» منذ فترة سابقة، ولهذا فلا خوف من تسلّل المتطرّفين أو الإرهابيين اليه مجدّداً، على ما شدّدت المصادر، سيما وأنّ حدوده ومعابره مراقبة بالكامل من قبل عناصر المؤسسة العسكرية. وذكرت بأنّه على الجميع الإطمئنان كون الوجهة الجديدة لتنظيم «داعش» ليس لا على الحدود اللبنانية، ولا في الداخل. فالحدود اللبنانية – السورية قد جرى تطهير التنظيمات الإرهابية منها، وبات من المستحيل عليها اليوم العودة اليها، خصوصاً مع تسلّم الجيش زمام الأمن فيها.
وإذ تفاخر البغدادي بأنّ مقاتلي تنظيمه قد نفّذوا 92 عملية في ثماني دول «ثأراً لإخوانهم في الشام»، أكّدت المصادر أنّ مخططات تنظيمه لا تزال قائمة في دول المنطقة والعالم، وخطرها لا يزال مهيمناً وإن كانت سيطرته على المناطق الشاسعة في العراق وسوريا قد ضاقت كثيراً لا بل اختفت في السنوات الأخيرة. وصحيح أنّ البغدادي قد غاب عن الساحة في المنطقة منذ العام 2014 عندما ألقى خطبته في المسجد النوري في الموصل وأعلن خلالها خلافته المزعومة، واعتقد الكثيرون بأنّه قُتل من دون تأكيد ذلك، إلاّ أنّ دحره من قبل القوّات السورية في الباغوز أخيراً، وفي العام 2017 من قبل القوّات العراقية، لم يتمكّن من القضاء عليه، إنّما قضى على تنظيمه بشكل تام.
ولهذا تتساءل المصادر إذا ما كان البغدادي سيتمكّن اليوم من إيجاد مقرّ للعودة اليه في العراق، أو أنّه سيبقى مختفياً عن الأنظار في إحدى المناطق السورية أو العراقية النائية، من دون أن يتمّ الإعلان عن مكان وجوده، في الوقت الذي ترصد فيه الولايات المتحدة الأميركية، وفق المعلومات، مكافأة وقدرها 25 مليون دولار لكلّ من يُساعد في الوصول اليه شخصياً. وقد توعّدت بتعقّب قادة التنظيم بعد ظهور البغدادي في الشريط المصوّر المذكور.
أمّا الهزيمة التي لحقت بتنظيم «داعش»، وتهاوي ما يُسمّى «بالخلافة»، وعدم تمكّنه من إقامة «الإمارة الإسلامية» التي حلم بها على بعض أراضي دول المنطقة، فلم يظهر البغدادي وكأنّه متأثّر بها، على ما أضافت المصادر، الأمر الذي يدلّ على أنّه ماضٍ في مخطّطه لإزالة ما لحق بتنظيمه من الضربة النفسية والاستراتيجية القاضية ومقتل قادته وهربهم من المعارك. كما أنّه لا يتوانى عن التأكيد على رسالته بأنّه ضدّ العالم بعد كلّ الهزيمة التي لحقت به في المنطقة.
وأكّدت المصادر نفسها بأنّ البغدادي يحاول استنهاض من تبقّى من عناصر التنظيم لكي يستكمل مخططاته الإرهابية في دول العالم، ولهذا فعلى دول المنطقة، وتلك الأوروبية التنبّه والحذر مجدّداً من أي تفجيرات قد تطال الأبرياء فيها. ولهذا فإنّ خطط الطوارىء لا بدّ وأن تُعتمد من جديد في هذه البلدان لتلافي وقوع الضحايا والخسائر في حال جرت بعض العمليات التخريبية أو الإنتحارية فيها، خصوصاً وأنّ البغدادي قد توعّد بالثأر لقتلاه وأسراه.
وتقول المصادر بأنّ زعيم التنظيم يسعى أيضاً الى توسيع دائرة مقاتليه في الدول الأفريقية وخراسان بعد أن فقد الكثيرين منهم في المنطقة، وعاد عدد كبير منهم الى دولهم مع بداية هزيمة التنظيم. وهذا الأمر يعني، على ما أوضحت الأوساط، أنّه يريد العمل خارج منطقة الشرق الأوسط، ما يجعلها تستريح من مخططاته التدميرية لفترة.
واستشفّت المصادر من كلامه أنّ وجهته التخريبية المقبلة ستطال الدول الأوروبية، كونها تضمّ العدد الأكبر من المسيحيين الذين لا يزال يتحدّث عن «حملتهم الصليبية الشرسة»، وعلى أنّهم أعداء الإسلام، في حين أنّ الحقيقة مختلفة تماماً عمّا يُحاول الترويج له ونشره في صفوف مقاتليه، وكأنّه يقوم بغسل أدمغتهم بأفكار ومعتقدات خاطئة.
وفي مطلق الأحوال، تعتمد الدول الأوروبية اليوم على الولايات المتحدة التي توعّدت بالقضاء على زعيم الإرهاب والإرهابيين لتلافي وقوع المزيد من المآسي في المنطقة ودول العالم التي تُرتكب من دون وجه حقّ، ولأسباب غير واقعية أو منطقية، ولكن تسأل المصادر: اليس البغدادي من صنيعة الولايات المتحدة؟!