«القوّات» متمسِّكة بآلية «معراب» القائمة على المناصفة و«الوطني الحُرّ» يريد الحصة للأقوى إسوة بالثنائي الشيعي و«المستقبل» و«التقدمي»
تصنف التعيينات الإدارية في لبنان على انها من الأطباق الدسمة التي تفتح شهية مختلف القوى السياسية، التي تجهد لتكون لها حصة تحصن واقعها السياسي في الدولة، خصوصاً وان المحاصصات هي التي تحكم هذه التعيينات نتيجة الواقع السياسي القائم، وليست الكفاءات كما يفترض ان يكون بهدف تعزيز الشأن الإداري المصاب بالعجز والترهل منذ سنوات.
في كل مرّة يُقال فيها ان الحكومة بصدد مقاربة ملف التعيينات لملء المراكز الشاغرة من جهة، ولضخ دم جديد في الهيكلية الإدارية للدولة من جهة ثانية، تطل الخلافات الرئاسية برأسها حول هذا الملف «المربح» في غياب أية آلية تفاهم تنجز من خلالها هذه التعيينات، وتشهد الصالونات السياسية منذ مُـدّة أي بعد إحالة الحكومة مشروع الموازنة العامة إلى مجلس النواب، الكثير من السيناريوهات المتصلة بهذا الملف، وقد كان لافتاً قيام بعض القوى السياسية بإطلاق المواقف الاستباقية مخافة ان يفوتها قطار التعيينات.
وإذا كانت بعض القوى المعنية تؤكد بأن ملف التعيينات لم يفتح بعد وان كان أولوية، مع نفي وجود خلافات سياسية تحول دون إنجازه، فإن ما يرشح من معطيات يفيد بأن الحكومة كانت بصدد اجراء التعيينات بعد إقرار الموازنة غير ان هذا التوجه اصطدم بجدار الخلافات السياسية، وقد أيقن أولياء الأمر ان مسألة التعيينات هي الآن مرتبطة بحصول اتفاق سياسي شامل على هذا الملف ان على مستوى «السلة الكاملة، أو التعيينات بالمفرق».
وتؤكد مصادر سياسية عليمة بأن ملف التعيينات عالق الآن على الحبل المسيحي الموصول بخط توتر عالٍ بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، خصوصاً وان هناك معلومات تتقاطع حول أخذ رئيس «التيار الوطني الحر» قرارا بالاحتفاظ بكامل الحصة المسيحية في التعيينات لا سيما على مستوى الفئة الأولى، معتبرة ان رفع «القوات اللبنانية» الصوت باكراً حول هذا الأمر ناجم عن اخبار وصلت إلى معراب تؤكد هذا التوجه لدى الوزير جبران باسيل.
وامام هذا الهاجس من الخوف لدى «القوات» فإن الدكتور سمير جعجع ما برح يُؤكّد على ضرورة الالتزام بالآلية التي يحكمها اتفاق معراب، والتي تقول بالمناصفة في التعيينات الإدارية بين القوى الكبرى على الساحة المسيحية، غير ان هذه الرغبة القواتية ما تزال تواجه برفض من قِبل «التيار الوطني» الذي يرى ان التعيينات يجب ان تكون من حصة الفريق المسيحي الأقوى، على غرار الثنائي الشيعي شيعياً، والحزب التقدمي درزياً، وتيار «المستقبل» سنياً، وفي حال بقي الوزير باسيل متصلباً في رأيه، فهذا يعني ان معركة قاسية ستفتح بين «التيار» و«القوات» ولتفادي الوصول إلى هذا الصدام يتم التريث في فتح هذا الملف.
وفي رأي المصادر انه من الصعب الولوج في طرح مسألة التعيينات على طاولة مجلس الوزراء قبل فك الاشتباك بين «القوات» والعونيين وهو أمر يحتاج إلى الكثير من العمل المتأني بعيداً عن النكد والمماحكات.
وتلفت المصادر النظر إلى ان اعتماد آلية مجلس الوزراء لتعيينات الفئة الأولى ما زال أمراً مستبعداً إلى ان يدب عقل الرحمان في بعض الرؤوس السياسية التي لها موقف في العلن من هذه المسألة يختلف كلياً عما هو عليه موقفها على الطاولة، وهذا بحد ذاته عامل يعيق ولادة هذه التعيينات.
وتشدد هذه المصادر على ان لا خلاف على المقاعد الوظيفية التي هي من حصة الطائفة الشيعية وكذلك الأمر ينسحب على حصة الطائفة السنيَّة، أما على المستوى الدرزي فلا مواقع محل خلاف باستثناء موقع نائب حاكم مصرف لبنان، حيث ترصد اتصالات ومشاورات وان خجولة بغية تجاوز هذه العقبة وان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ربما يدخل على خط تسوية هذا الموضوع بين رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان.
وتؤكد المصادر ان الأيام المقبلة ستزدحم بالاتصالات والمشاورات الآيلة إلى تفكيك الألغام الموجودة في طريق هذه التعيينات، غير ان هذه المشاورات لن تكون سهلة حيث ان الوزير باسيل وتحت شعار «استعادة الحقوق» يريد ان يضع اليد على غالبية المناصب الشاغرة، وفي مقابله ترفض «القوات» الحصول على حصة شكلية من التعيينات الإدارية على المستوى المسيحي، من دون اغفال التنازع الحاصل بين «الوطني الحر» و«المستقبل» على بعض المواقع، سيما وان اجتماع السراي الذي استكمل بعشاء في «بيت الوسط» بين الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل صحيح انه أكّد على استمرار التسوية لكنه لم يتم فيه التفاهم على العديد من الملفات المطروحة وفي مقدمها التعيينات الإدارية.