Site icon IMLebanon

بعد فقدان “اسرائيل” قدرتها على إنهاء حرب “تفقد اليوم قدرتها على البدء بها 

 

 

لم يكن صباح السابع من تشرين الأول كغيره من صباحات الأمة منذ ٧٥ عاماً، هذه المرة انقلب المشهد تماماً، بعد أن أصبح الكيان الصهيوني بموقع الدفاع عن وجوده، الذي هددته المقاومة الفلسطينية بهجوم واحد غير مسبوق بتاريخ الصراع العربي- “الإسرائيلي”.

 

نعم إنه حدث خارج المألوف، شكّل صدمة من جهتيْه، إيجابية وسلبية، وبين الصدمتين برز القلق واتسعت دائرة الاحتمالات خارج سياق الأحداث والتوقعات، ما حصل هو نقطة تحوُّل في الصراع بكل ما للكلمة من معنى، ضَرَبَ صورة “إسرائيل” بالكامل، بعد أن اهتزت مِراراً في مراحل سابقة، وبات الإرباك والتخبّط وعدم الوضوح في الرؤية “الإسرائيلية” ظاهراً بملامح وجه رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو…

 

ففي أجواء الاستباحة اليومية لحرمة المسجد الأقصى، والاعتداء المفجع على حرائره، اتخذت قيادة المقاومة في فلسطين قرار الهجوم الذي يتجاوز مفهوم العملية، ولا يصل الى مستوى الحرب، وإن كانت تداعياته قد توصل الى حرب. لقد استخدمت المقاومة الفلسطينية عُصارة خبرتها ومهارة مقاتليها، وتَراكم الألم والمظلومية المتواصِلة منذ ٧٥ عاماً، لتُوَجِّه للاحتلال صفعة لم يَذق طعمها منذ تأسيسه.

 

لقد قام المئات من مقاتلي النخبة في كتائب القسّام بهجوم مباغت متعدِّد الأبعاد، شاركت فيه أسراب الصقور المحلِّقة فوق أسوار الحدود والصواريخ الإلهائية والحرب الإلكترونية، وتسلَّل المشاة وفِرق الدراجات النارية. هجومٌ لم يسمح لحرس الحدود بالتقاط أنفاسهم، مما أدى الى السيطرة الكاملة على مراكز القيادة، والتحكُّم دون توجيه إنذارات مبكرة، بحيث استطاعت المقاومة قطع الاتصال بين القيادة المركزية وقيادة غلاف غزة، وقامت بفتح ثغر متعدِّدة في الجدار الفاصل، مما سهّل عملية الأسر والاغتنام، وزيادة عدد المقاتلين والإجهاز على حاميات المواقع، والدخول الى عمق ١٠ كيلومتر داخل الأراضي المحتلة، مما أحدث حالة إرباك معلوماتية وعملانية للجيش الصهيوني والشرطة، وقد تكشَّف النهار الأول عن مئات القتلى والجرحى في صفوف جيش الكيان وشرطته ومستوطنيه، وأسر العشرات بعد فقدان الاتصال بهم وعدم القدرة على تحديد عددهم.

 

ما يجب التوقف عنده هو ما أعلنه القائد العسكري لكتائب القسّام محمد الضيْف، من أن هدف المعركة هو الثأر لحرمات حرائر المقدسيين، والانتقام من التدنيس المتكرِّر للمسجد الأقصى وحمايته من التهديدات المتزايدة، التي أعلن عنها الوزير المتطرِّف بن غفير وعصابات بناء الهيكل، حيث لم يضع القائد العسكري أهدافاً سياسية للعملية، وهذا يشير الى أن حماية الأقصى والدفاع عن حرمة أهله كافيان لتبرير العملية العسكرية، وهذا لا يعني عدم وضع خطة لاستثمار النتائج، سواءً على مستوى ملف الأسرى الفلسطينيين أو منع الاغتيالات أو حماية أهل الضفة أو إيقاف التمدد الاستيطاني أو رفع الحصار عن غزة أو أي نتيجة ممكن أن يؤدي إليها الهجوم، فالمشكلة الآن لم تَعد في الأسقف السياسية للمقاومة، بحسب مصادر مطلعة ، بل في الخيارات المحدودة للاحتلال وهي ثلاثة:

 

– الخيار الأول: إبتلاع الصدمة والرضوخ لنتائج الهجوم والقبول بالتفاوض غير المباشر لإطلاق سراح أسراه مقابل الشروط التي تطلبها المقاومة، وهذا خيار مستبعَد جداً لا يمكن للكيان الغاصب استيعابه، ولا يمكن للولايات المتحدة ودول التطبيع العربي أن توافِق عليه لأن الجميع شركاء في نتائج هذه الحرب وخاصة مع رفع محور المقاومة شعار إخراج الأميركي من المنطقة، فلا يمكن للأميركي تسجيل هزيمة لمشروعه والمعركة لإخراجه لم تبدأ بعد…

 

– الخيار الثاني: قيام العدو بحرب شاملة ومدمِّرة ضد قطاع غزة، تستهدف احتلاله وسحق المقاومة فيه وإخضاع القطاع لإرادته، إلا أن هذا الخيار مكلف جداً من جهتين: الأولى: لجهة الخسائر المتوقعة للجيش الصهيوني والجبهة الداخلية التي ستُعيد مشهد هزيمته في حرب تموز ٢٠٠٦. والثانية: تدحرج الأحداث لدرجة اضطرار محور المقاومة الى التدخل، ما يعني الحرب الشاملة، وهذا الهاجس هو الذي أشعل الخلاف في الكابينت الإسرائيلي حيث خرجت أصوات تحذِّر من خطوات توسِّع دائرة الحرب…

 

– الخيار الثالث: الاكتفاء بضربة موضعية انتقامية تُوقِع خسائر كبيرة في صفوف الفلسطينيين في غزة وتفرض حصاراً خانقاً على القطاع وابتزازه للقبول بالحد الأدنى بصفقة تبادل بين الأسرى الصهاينة والمعتقلين الفلسطينيين.

 

وتقول المصادر ان الخيار الثالث هو الأقرب في الظروف الحالية التي يُعاني فيها الكيان الصهيوني من هزيمة معنوية وخوف جدي من جهة الجبهة الشمالية. إلا أن نتائج هذا الخيار ليست بيد الجيش الصهيوني لأن رد فعل المقاومة في غزة قد يكون مفاجئاً أيضاً. من هنا يمكن فهم التدخل الأميركي الاستعراضي بنقل قطعاته العسكرية البحرية الى شواطىء فلسطين المحتلة الذي يقع في سياق الدعم المعنوي واللوجستي والتسليحي للكيان الصهيوني.

 

السؤال المطروح: ما هي احتمالات توسُّع دائرة الحرب؟ وما هو موقف محور المقاومة من الأحداث التي تَجري في غزة؟ تجيب المصادر: يمكننا القول إن موقف محور المقاومة مَبني على السلوك الصهيوني في هذه المعركة، فالمحور اعتمد منذ تشكيله على استراتيجية الاستنزاف للعدو من ناحية ومن ناحية أخرى تعزيز قدرات المقاومة وإيجاد بيئة حاضنة لخيارها، وقد نجح نسبياً في إيصال الكيان الى الواقع المأزوم الذي نشهده اليوم، لذا نرى أن أي تدخُّل ميداني محكوم بالخطوط الحمراء التي وضعتها قيادة المحور ولم تُفصِح عنها بالتأكيد بهدف تضييق هامش المناورة على الكيان الصهيوني وراعيه الأميركي، فهاجس التدخّل يجب أن يكون حاضراً دائماً في الذهنية القيادية الإسرائيلية وهو الذي يشكِّل ردعاً موضعياً للجيش الصهيوني عن التمادي في خياراته، وهذا ما صرّحت به أوساط صهيونية من أن حزب الله لا يلجمنا فقط في الشمال وإنما يلجمنا في الجنوب (غزة) ويمكن تصوير المشهد أن عين الانتقام الصهيوني متجهة نحو غزة وهو يتحسس رقبته من الخلف.

 

بعد كل ما تَقدَّم، وعلى الرغم من تفرُّد اللحظة وكل ما يدور حولها من استثناءات، إلا أن أكثر ما يُثير الانتباه هو فقدان العدو التدريجي لمَكامن تفوّقه، بحيث ان بعد أن ثَبُتَ عدم قدرته على إنهاء حرب، هذه المرة فقَد قدرته على البدء بها أيضاً… أما عن المسار ككل، فالمعركة ما زالت في بدايتها، لذا فإن الأيام المقبلة ستُوثِّق أكثر أين أصبحت “إسرائيل”…