نعم بكل تقدير واحترام، لا بد للمواطن العادي الذي يشهد ما يجري في فلسطين الحبيبة منذ مائتي يوم ويومين… والعدو الاسرائيلي يقتل ويدمر ويعذب ويفجّر ويستعمل جميع أنواع الاسلحة التي يقدمها إليه أعداء الأمة العربية وأعداء الاسلام.
أكثر من 35 ألف طفل وامرأة ومسن وسيدة ورجل، قتلوا في غزّة، وأكثر من 80 ألف جريح، وتهديم 85% من مباني وبيوت ومدارس ومساجد وكنائس وجامعات، ولا تنسوا المستشفيات التي لعبت في هذه الحرب “دور العدو الأول لإسرائيل”.
المصيبة الكبرى ان أهم جامعات في أميركا، مثل كولومبيا وييل ونيويورك، شهدت تظاهرات صاخبة ضد ما يجري في غزّة، والمصيبة ان الحكام اكتشفوا ان الذي يحرّض على القيام بالتظاهرات هي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” وغيرهما من أبطال المقاومة الفلسطينية.
سؤال بسيط: من هم جماعة “حماس”؟ هل هم فلسطينيون؟ أم من أين هم؟ و”الجهاد الاسلامي” من هي؟ أليْست تضم مقاتلين فلسطينيين مسلمين؟
يا جماعة الخير… لم تقتصر التظاهرات على أميركا وجامعاتها فحسب، بل وصلت الى العاصمة المصرية حيث قام طلاب الجامعة الاميركية في القاهرة بتظاهرات ضد الجرائم التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي ضد أهل غزّة… وخصوصاً الأطفال منهم حتى وصل الأمر الى الاطفال حديثي الولادة.
كل هذا والرؤساء والحكام والملوك في العالم العربي يتفرّجون.. وطالما نحن نتحدّث عن الملوك… فلا بد من أن نتذكر ما جرى من حديث بين المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس الفرنسي شارل ديغول.. حيث دار بينهما حوار في غاية الأهمية:
قال ديغول: يا جلالة الملك، يتحدث الناس بلهجة متعالية انكم تريدون أن ترموا بإسرائيل الى البحر، إسرائيل أصبحت أمراً واقعاً، ولا يقبل أحد في العام إنكار هذا الأمر الواقع..
أجاب الملك فيصل رحمه الله: يا فخامة الرئيس، أنا أستغرب كلامك هذا. إنّ هتلر احتل باريس وأصبح احتلاله أمراً واقعاً، وكل فرنسا استسلمت إلاّ أنت… إذ انسحب الجيش الانكليزي وبقيت تعمل لمقاومة الأمر الواقع… حتى تغلبت عليه، فلا أنت رضخت للأمر الواقع ولا شعبك رضخ… فأنا أستغرب كيف لم ترضخ للأمر الواقع، ولا شعبك رضخ.. وأنا أستغرب أيضاً أن تطلب مني قبول الأمر الواقع… والويل يا فخامة الرئيس للضعيف إذا تسلّط عليه القوي..
وراح يطالب بالقاعدة الذهبية للجنرال ديغول: وهي ان الاحتلال إذا أصبح واقعاً فإنه يصبح مشروعاً وقائماً.
دهش ديغول من سرعة بديهة الملك فيصل رحمه الله، فغيّر لهجته، وقال: يا جلالة الملك، يقول اليهود إنّ فلسطين وطنهم الاصلي وجدّهم الأعلى “إسرائيل” ولد هناك.
أجاب الملك فيصل: فخامة الرئيس، أنا معجب بك لأنك متديّن مؤمن بدينك، وأنت بلا شك تقرأ الكتاب المقدّس.. أما قرأت ان اليهود جاؤوا من مصر غزاة؟ أحرقوا المدن وقتلوا الرجال والنساء والأطفال.. فكيف تقول إنّ فلسطين بلدهم وهي للكنعانيين العرب؟ واليهود هم مستعمرون وأنت تريد أن تعيد الاستعمار، فهل تقبل باستعمار روما لفرنسا؟ روما التي احتلت فرنسا قبل أربعة آلاف سنة.. فلماذا لا تُعيد استعمار روما لفرنسا الذي كان قبل ثلاثة آلاف سنة؟ فهل نغيّر خريطة العالم لمصلحة اليهود، ولا نغيّرها لمصلحة روما؟ أضاف: “نحن العرب أمضينا مئتي سنة في جنوب فرنسا في حين لم يمكث اليهود في فلسطين أكثر من سبعين سنة، ثم نفوا بعدها..
قال ديغول: ولكنهم يقولون إنّ أباهم ولد فيها.
أجاب الملك فيصل رحمه الله: غريب!! عندك الآن مئة وخمسون سفارة في باريس، وأكثر السفراء لديهم أطفال ولدوا في باريس، فلو صار هؤلاء الاطفال رؤساء دول وجاءوا يطالبون حق الولادة في باريس، فمسكينة باريس لا أدري لمن ستكون؟
سكت ديغول، وضرب الجرس مستدعياً بومبيدو، رئيس وزرائه يومذاك، وكان الامير سلطان ورشاد فرعون يجلسان في الخارج.
ديغول قال: الآن فهمت القضية الفلسطينية.. أوقفوا تصدير السلاح لإسرائيل.. وكانت إسرائيل تحارب بأسلحة فرنسية وليس أميركية.
يقول الدواليبي:
استقبلنا الملك فيصل في الظهران عند رجوعه من باريس… واستدعى رحمه الله رئيس شركة التابلاين الأميركية، وكنت حاضراً… وقال له:
“إنّ أي نقطة بترول تذهب الى إسرائيل ستجعلني أقطع البترول عنكم… ولما علم بعد ذلك ان أميركا أرسلت مساعدة لإسرائيل قطع عنها البترول، ووقف الأميركيون صفوفاً أمام محطات الوقود، وهتف المتظاهرون: نريد البترول ولا نريد إسرائيل.
رحم الله الملك فيصل…
عندما قرأت، كيف كان يتصرّف الملك فيصل، وماذا كان يقول للرئيس التاريخي لفرنسا الرئيس شارل ديغول، قلت في نفسي:
أين الحكام العرب اليوم؟
وأين الرؤساء العرب؟
أين الملوك العرب مما يجري هذه الأيام؟
طبعاً الجميع في سبات عميق.. همهم الوحيد السلطة والكرسي والعروش.
لهم أقول: ساعة الحساب آتية لا ريب فيها.
وفلسطين ستبقى عربية..
والسنوار سوف ينتصر على إسرائيل مهما طال الزمن… وتذكروا ان الشعب الڤيتنامي بقي تحت الارض يحارب أقوى دولة في العالم 8 سنوات حتى تحقق له النصر.