يتطلع اللبنانيون بترقب وحذر الى ما سيحمله للبنان بيان أعمال القمّة العربية المرتقبة التي ستعقد في الرياض في التاسع عشر من الشهر الحالي، بعد متغيّرات هامة شهدتها المنطقة وتتصل بشكل مباشر بالشأن اللبناني، لا سيما منها الإتّفاق السعودي الإيراني وعودة سوريا الى الجامعة العربية. سقط الإتّفاق السعودي الإيراني على الجميع من دون مقدّمات محدثاً إنقلاباً نوعياً في العديد من الثوابت، واختصر مضمون بيانه المقتضب المخرج الحقيقي لأزمة إيران مع جيرانها باحترام سيادة الدول ووقف دعم الميليشيات. وبالمقابل أسهبت اللقاءات التي مهّدت لعودة سوريا الى الجامعة العربية والبيانات التي رافقتها في التعرض بشكل مفصل لأزمة سوريا مع العالم العربي لا سيما دول الجوار، ووصّفت بشكل دقيق الموجبات على سوريا لطيّ صفحة الماضي وإخراجها من أزمتها وعزلتها بما يشبه مضبطة سلوكية ملزمة للمرحلة المقبلة وعلى قاعدة «الخطوة مقابل خطوة».
الإنقسام اللبناني حول كل ما له علاقة بالشأن العام، وفي مقدّمته الأزمة الدائمة في تكوين السلطة وآخر فصولها الأزمة الرئاسية الحالية، وجد نفسه مجدداً في الحدثيْن الكبيرين بمجرد الإعلان عنهما. لم يُقدِم أي إطار وطني حكومي أو حزبي أو أكاديمي على مناقشة ما جرى، بل تمّ تقييم الإتفاقات على خلفية صورة نمطية يحتفظ بها اللبنانيون في لاوعيهم الجماعي لمرجعياتهم الإقليمية، ودون أي اعتبار لمواصفات اللحظة الإقليمية والدولية التي فرضتهما وميزان القوى الذي انقلب رأساً على عقب بعد الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة الدولية والمأزق الإقتصادي العالمي.
إنقسم اللبنانيون حول الإتّفاق السعودي الإيراني وحول عودة سوريا ليس من قبيل الإختلاف في التقييم الموضوعي للواقع الإقليمي الجديد الذي يغلّب الإستقرار على خيار الصراعات المفتوحة بل من قبيل تسجيل النقاط المرجحة لهذا الفريق أو ذاك في معركته المحلية الضيقة. من هنا فإن استثمار ما جرى بين المملكة العربية السعودية وإيران في مصلحة استقرار لبنان أو الإستفادة من البعد السيادي للضوابط التي فرضها اللقاء التشاوري في عمان على سوريا لن يكون متاحاً إلا في سياق منسجم مع المعادلات الجديدة التي ترسيها القوى الإقليمية، وليس في استمرار سيطرة فوبيا الغلبة على العقل السياسي اللبناني وإسقاط أي مساحة لترتيب الأولويات ومناقشة الأزمات الوطنية والبحث عن حلول مرحلية.
إن النظر الى ما ستؤول إليه مقررات الجامعة العربية من قبيل كسب النقاط لهذا الفريق اللبناني أو ذاك يفتقر الى الواقعية، فالدول العربية الوازنة وفي مقدّمتها السعودية ومصر التي صاغت المعادلات الجديدة في المنطقة على قاعدة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها لن تسمح بما يمكن اعتباره تعرضاً أو تقويضاً للقرار الوطني المستقل في أي من الدول العربية. وبالتالي فإنّ انتظار أي موقف من الجامعة حيال الفراغ الرئاسي في لبنان لن يتجاوز تحفيز اللبنانيين ودعوة المجلس النيابي لإنجاز الإستحقاق وتحمل مسؤوليته الدستورية. وعلى العكس من ذلك فإن الدعم الذي ستقدمه الجامعة في بيانها للإتّفاق السعودي الإيراني والتأكيد على موجبات سوريا لاستعادة عضويتها ومنها تطبيق القرار الدولي 2254 بالإضافة الى قضايا استراتيجية أخرى متعلقة باليمن والسودان والقضية الفلسطينية لا سيما بعد العدوان على غزة ستضع خارطة طريق شاملة للمنطقة تتجاوز منطق المعادلات الثنائية التي درج الساسة اللبنانيون على صياغة محاصصاتهم الداخلية في ظلها.
ستبقى الجامعة العربية فوق الصراعات اللبنانية على السلطة ولن تستدرج الى أي معادلة ثنائية إقليمية لملء الشغور الرئاسي. من جهة أخرى فإن عجز الفريق السيادي ومعه الفريق الواقعي عن الإتّفاق على مرشح للرئاسة سيفضي الى انتخاب مرشح حزب الله وتكرار تجربة العهد السابق أو في أفضل الأحوال الى إيصال رئيس مطوّق بالأعراف المعهودة في تجاوز الدستور وتعطيل السلطة. فهل يُقدم الفريق السيادي وحلفاؤه على استثمار استقلالية القرار الوطني الذي ترعاه الجامعة العربية واختيار مرشحهم أم يصبح الهدف المنشود من ملء الشغور الرئاسي هو الإحتفاظ بمارونية الموقع؟
* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات