قرار ترامب بشأن الجولان يُعيد العالم إلى شرعة «أين يصل سيفك تكون حدودك»
هدايا واشنطن الجغرافية لإسرائيل تنسف القرارات الدولية وتؤكد شرعية العمل المقاوم
من حيث يدري أو لا يدري فتح الرئيس الأميركي من خلال قرار ضم الجولان السوري إلى إسرائيل الباب على مصراعيه امام المقاومة العسكرية كرد طبيعي على محاولة شرعنة احتلال الأرض، إذ لم يبقَ للعرب امام هذا الانقلاب الأميركي على الأمم المتحدة والقرارات الدولية إلا المقاومة أو الاستسلام. فالقرار الذي اتخذه ترامب تكمن خطورته بأنه يفرض على العالم ما يريد من خارج الأمم المتحدة، وهو بذلك يكون قد ردنا إلى عهد الفتوحات والاجتياحات في أيام الفرس والاغريق والاشوريين والقائم على مقولة «أين يصل سيفك تكون حدودك»، بمعنى ان رسم الحدود باتت ترسم بالسيف.
من المعلوم ان الأمم المتحدة أنشئت في العام 1945 بناءً على طلب أميركي وليس أي بلد آخر والأميركيين كانوا عرابين نشوء القانون الدولي، غير ان الرئيس ترامب جاء لينقض ما فرضته بلاده على المجتمع الدولي، وبالتالي فإن القرار المتعلق بالجولان وقبله حول القدس لن تأتي إدارة أميركية ثانية أو ثالثة وتتراجع عنه، إذ على مدى تاريخ قيام الولايات المتحدة الأميركية كانت ادارات البيت الأبيض تكمل بعضها البعض ولذا من السذاجة ان يعول العرب على مجيء رئيس أميركي يُعيد النظر بالقرارات التي اتخذها سلفه أو ان يتراجع عن أي موقف متخذ من قبل أي رئيس سبقه إلى البيت الأبيض.
يقول أحد الوزراء المخضرمين في السياسة اللبنانية ان قرار الرئيس ترامب بما خص ضم الجولان إلى إسرائيل قد أحرج وزير خارجيته بومبيو لجهة المواقف النارية التي أطلقها ضد «حزب الله» خلال زيارته بيروت، حيث أعطى الرئيس الأميركي شرعية لحركات المقاومة في المنطقة وفي مقدمها «حزب الله».
في تقدير الوزير أن الرئيس ترامب لن يستطيع لأجل الفوز في معركته الانتخابية لولاية ثانية، وضمان فوز رئيس وزراء إسرائيل، نسف كل أسس العلاقات الدولية من خلال إعطاء إسرائيل أرضاً وجغرافيا تملكها أميركا بدلاً من إعطاء السلاح والطائرات.
وإذ يُؤكّد ان الرئيس ترامب ما كان ليوقع قرار ضم الجولان لولا ضعف المؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي، غير انه في الوقت ذاته وضع إسرائيل خارج الشرعية الدولية، كما انه وضع سوريا امام خيار واحد لاستعادة الجولان وهو المقاومة، وبذلك يكون ترامب قد أسس لحروب جديدة في المنطقة وأسقطت من الأجندة الأميركية أي فكرة للتفاوض من أجل السلام.
ويصف الوزير المذكور كل القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي منذ ان وطئت قدماه البيت الأبيض بالمتهورة إن كان ذلك على مستوى إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة الأميركية إليها، الاعتراف بالمستوطنات في الضفة الغربية، الانسحاب الأحادي من الاتفاق النووي، كل هذه القرارات تؤكد بأن الرئيس الأميركي تروق له السياسات الصدامية وأن السلام لا مكان له حتى في مخيلته، مما سيجعل الشرق الأوسط ولأمد طويل يتقلب على الصفيح الساخن.
وإذ يُؤكّد الوزير المخضرم بأن قرار ضم الجولان يأتي في سياق المحاولات الأميركية إعادة هندسة الكيان السوري بعد ثماني سنوات من الحروب، والخوف كل الخوف ان يلحق القرار مزارع شبعا وكذلك الضفة الغربية، لأننا بذلك نكون قد دخلنا في سيناريو خطير جداً لا يعلم أي أفق له إلا الله، لأن أي جبهة ستفتح على إسرائيل لن تكون محصور في الداخل الفلسطيني أو في جنوب لبنان أو الجولان في ظل الأجواء الدولية والإقليمية المحتدمة.
وإذ يعتبر انه من الطبيعي ان تشجب الدول العربية القرارات الأميركية إن على مستوى القدس أو الجولان، فإنه يسأل: ما الآلية التي سيطرحها العرب لاستعادة الأرض المحتلة، فالمبادرة العربية للسلام التي كانت مهمة في وقتها، قد تخطاها الزمن بعد ضم الجولان وبناء المزيد من المستوطنات، وبعد إنهاء مشروع الدولتين، وبعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتراف واشنطن بها على انها عاصمة إسرائيل، ولذا فإن العالم العربي مطالب باتخاذ إجراءات تكون على مستوى الحدث الذي ينذر بدخول المنطقة في آتون الحروب والصراعات من جديد، لا الاكتفاء بالمواقف المعيبة.
ويختم بأن قرار ضم الجولان قد جعل إسرائيل خارج الاعتراف الدولي بحدودها، وشرع الأبواب امام العمل العسكري بكل اشكاله وأعاد المنطقة مجدداً إلى دائرة التوتر، وفي نفس الوقت قضى على أي بصيص أمل للسلام.