الكباش السياسي يشتدُّ حول الرقم 65..وحزيران لناظره قريب
يبدو ان كل المحاولات الداخلية والخارجية لانتخاب رئيس بشكل طبيعي قد استنفذت، وان الجميع بات يسَلم بان لا مجال لإنجاز هذا الاستحقاق إلّا من خلال حياكة تسوية خارجية تكون على مقاس الفرقاء في لبنان تستطيع أن تزيح الفراغ عن الكرسي الرئاسي في بعبدا.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل الظروف الآن أصبحت ملائمة لإنضاج هذه التسوية؟
من الصعب الجزم بأن الأمور في هذا المجال أصبحت سالكة، حيث ان المتغيّرات المفاجئة التي طرأت على المشهد الإقليمي في الآونة الأخيرة قد أربكت الكثيرين، وأوقعتهم في دائرة الحيرة وباتوا في ضياع عن الطريق الذي يتوجب عليهم سلوكه في عملية التفاوض التي عادة ما تحصل في استحقاقات مماثلة. غير ان الثابت حتى هذه اللحظة انه وعلى الرغم من زخم الاتصالات والمشاورات والأفكار والصيغ التي تطرح منذ ما يناهز الخمسة أشهر، فان الملف الرئاسي لم يغادر الحلقة المفرغة، لا بل انه دخل دهاليز لعبة التحدي والمراوغة حيث يسعى كل فريق الى استمالة كفّة الانتخاب لصالح تعزيز أوراق قوته في المرحلة التي ستلي انتخاب الرئيس ان على مستوى تأليف الحومة، أو على مستوى التعيينات التي هي أولوية الحكومة المقبلة، وصولا الى الإصلاحات المرتقبة والخوف من أن تأتي على حساب نفوذهم السياسي والشعبي.
والمستغرب في هذا المجال ان كل فريق سياسي يعمل على إبعاد تهمة التعطيل عن نفسه ويرمي بها في ملعب الفريق الآخر، من دون الأخذ في عين الاعتبار بان الفرصة الاقليمية والدولية السانحة لإنتاج رئيس قد تذهب سدى وساعتئذ سيمتد عمر الشغور الرئاسي، وستتوسّع رقعة الأضرار الناجمة عن استمرار هذا الشغور اقتصاديا ومعيشيا بما يوصل البلاد والعباد الى قعر البئر من الانهيارات.
ووفق المعلومات فان الحرب تدور رحاها بين القوى السياسية حول الرقم 65، حيث يسعى كل طرف بما أوتي من قوة بأن يحصل من خلال أي سيناريو يطرح تحت قبة البرلمان على أكثرية الـ65 صوتا لصالح مرشحه في ما لو ذهبت الأمور الى معركة وفشل مسعى التفاهمات، وهذا الأمر الى الآن غير متوفر لأي فريق سياسي بسبب موازين القوى التي أفرزتها الانتخابات الرئاسية التي مضى على إجرائها أمس عام كامل والتي ما تزال تشكّل قوة رادعة لا يستطيع أي فريق تجاوزها وتلزم الجميع بقاعدة التفاهم والتوافق. ومن هنا يجري التركيز على المسار الذي سيسلكه تكتل «الاعتدال الوطني» الذي ما زال يبدي مرونة في مواقفه القائمة على ضرورة انتخاب رئيس يحترم وثيقة الوفاق الوطني، ويلتزم اتفاق الطائف، ونسج أفضل العلاقات بين لبنان ومحيطه العربي وعلى وجه الخصوص مع المملكة العربية السعودية.
من هنا يركّز السفير السعودي وليد بخاري على محاولة إنضاج تسوية محكمة تجعل غالبية القوى تقبل بها، بعد أن أيقن الجميع بانه لن يكون في مقدور أي طرف لوحده الفوز بالكرسي الرئاسي، وان لا مفر من التفاهم مع الشريك الآخر.
لعبة التحدّي لن تنتهي إلّا بتسوية تتمُّ حياكتها بعناية إقليمية ودولية فائقة
وبحسب المعلومات فان السفير السعودي سيوسّع من مروحة اتصالاته وقد تشمل هذه المرة السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني كإنعكاس طبيعي للتفاهم الذي حصل بين طهران والرياض، قبل أو بعد قمة جدة التي يفترض أن يكون فيها الملف اللبناني من بين الملفات الأساسية التي ستتم مقاربتها في هذه القمة، كما ان الاستحقاق الرئاسي سيكون حاضرا في الاجتماعات التي ستعقد على هامشها، ولا سيما ان الرئيس نجيب ميقاتي الذي سيمثل لبنان سيبحث مع ملوك ورؤساء عرب ممن سيلتقيهم الوضع في لبنان من انتخاب رئيس الى ملف النازحين السوريين.
وتؤكد المعلومات ان العجلة «البخارية» ستسير بوتيرة عالية قبل نهاية الشهر انطلاقا من المناخات التي ستتأتّى من القمة العربية حيث يكون المشهد أكثر وضوحا، ولذا فان النصف الأول من الشهر المقبل سيكون مفصليا، لجهة تحديد المسار الذي سيرسو عليه الاستحقاق الرئاسي، خصوصا وان رئيس مجلس النواب نبيه بري يحرص أمام زواره على الإعراب عن تفاؤله وارتياحه لما يجري بشأن الملف الرئاسي، بما ينبئ بان حزيران ربما يحمل معه أخبارا سارا لجهة انتخاب رئيس، لاعتبارات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر الرغبة المحلية والخارجية في أن لا ينسحب الفراغ على حاكمية مصرف لبنان حيث تنهي ولاية رياض سلامة في تموز المقبل من دون أن يكون هناك اتفاق على ما ستكون عليه مرحلة ما بعد خروج سلامة من مقر المصرف.