من حق اللبنانيين أن ينتابهم القلق على أوضاعهم الراهنة، ولكن ليس القلق على المصير. كان لبنان منذ البداية هو المختبر وحقل التجارب لكل ما يعدّ من خطط للعرب ومصيرهم في الشرق الأوسط. ومرّ لبنان في تجربتي السلم والحرب وتجاوزهما. في مرحلة السلم تجلّت الوحدة الوطنية اللبنانية تضامنا عربيا في العمق القومي، والعكس صحيح أيضا. النكسة اللبنانية حدثت في الحرب الداخلية التي دامت نحو عقد وبعض العقد من الزمان، وكانت بمثابة الطعم الذي زوّد الجسد اللبناني وروحه بالمناعة ضدّ العودة للعنف أو القلق مرة أخرى على المصير… وهذه الحرب كانت هي النموذج الذي يعدّ للمنطقة العربية لاحقا…
***
نقطة التحول حدثت باندلاع شرارة ما عرف ب الربيع العربي، وأريد لها أن تكون الصورة المكبّرة عن حرب السبعينات في لبنان. ويعاني لبنان اليوم من أزمة سياسية طاحنة، وهذا صحيح، ولكنها ليست أكثر من ذلك. الأزمة الحقيقية هي اليوم في العمق العربي. وما نشهده اليوم هو تداعيات انهيار النظام العربي الذي قام على أنقاض فلسطين بعد الاجتياح الصهيوني وقيام الكيان الاسرائيلي. وكان شعار تلك المرحلة هو: فلسطين هي قضية العرب الأولى. وفشل الأنظمة العربية المتتابع في مواجهة الصهيونية طغى على اهتمامات الأنظمة بعد أن أصبح لكل نظام قضيته المصيرية الخاصة به!
***
من مظاهر أزمة القيادة في النظام العربي انه عندما تتوافر الرؤية تغيب الامكانات، وعندما تحضر الامكانات تغيب الرؤية! وتشلّعت القضية الفلسطينية أولا بأيدي قياداتها، وجاء الربيع العربي المسموم لينسف نظام التضامن العربي، ويبدّله ب نظام التصادم العربي. ووسط هذا الغليان ضاعت القضية الفلسطينية، وأصبح شعار غالبية من الأنظمة العربية بعد التفسّخ الفلسطيني: لماذا نكون ملكيين أكثر من الملك، وفلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم! وهكذا تُركت القضية الفلسطينية على قارعة الطريق… بل وأصبح من يحاول أن يلمها هو المرتكب والمعتدي!
***
الحاجة ملحّة الى قيادة عربية والى رؤية، والى مؤتمر حوار قومي يضع استراتيجية رؤية عربية موحّدة لنظام عربي جديد وإبداله بنظام جديد على القاعدة التي جعلت من أمم أوروبا اتحادا، ومن ولايات متناثرة امبراطورية هي الأعظم باسم الولايات المتحدة الأميركية!