IMLebanon

عروبة لبنان والرهاب الإيراني

 

 

لم يكن كلّ ما صدر عن منظومة السلطة كافياً لإقناع اللبنانيين قبل العرب بأنّ هناك من يمتلك الحدّ الأدنى من الجرأة الأدبية لمواجهة هذا الفيض من الفجور الذي أضاف إليه الوزير جورج قرداحي فصلاً جديداً. يختصر رهاب طهران وانعدام المبادرة الموقف الرسمي على كلّ المستويات، فالجميع دون استثناء يحسب كلماته بل يحصي حروفه إنطلاقاً من حرصه على أمنه وموقعه على خارطة محاصصة لم يتبقَ منها إلا بعض من سلطة واهنة، وفتات من مال عام كشفت لوائح مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) تباعاً أسماء بعض سالبيه من مدّعي العفة ونظافة الكف، وكشفت أرقامه المسلوبة عنوّةً من جيوب المواطنين.

 

إرتباك رئيس الجمهورية ميشال عون حيال الأزمة مع دول الخليج العربي ليس سوى إمعان في مسار استسلام اختطّه منذ تفاهم مار مخايل، وفي ضياع بين عرفان ثقيل بالجميل وهروب من تحمّل تبعات سقوط لبنان. لا يختلف الوضع المتفاقم للرئيس على أبواب عامه الأخير في سدّة الرئاسة عن وضع أي حاكم آيل للسقوط ليس بسبب فشله فحسب بل بسبب غياب الرؤية وانعدام السيطرة وانفتاح الشهية وكثرة المتمردين والمتسلقين من أبناء البطانة والوراثة.

 

وضع كلّ من رئيسيّ المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي لا يتمايز عن موقف عون، بل هما في كبد المسؤولية التي أناطها الدستور بكلّ منهما، وعليهما يقع استلحاق ما يمكن استلحاقه، وإن أتى متأخراً، هذا إذا تمكّنا من التماس الإذن بذلك. فإذا كان ما أقدم عليه قرداحي لا يعبّر عن سياسة لحكومة بل هو موقف شخصي، فهو مسؤول أمام المجلس النيابي بموجب المادة 66 من الدستور ــ «يتحمّل الوزراء إجمالياً تجاه مجلس النواب تبِعة سياسة الحكومة ويتحملون إفرادياً تبِعة أفعالهم الشخصية»، كما أنّ أمام المجلس خيار طرح الثقة بالوزير بموجب المادة 68 من الدستور ــ « عندما يقرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء وفاقاً للمادة 37 وجب على هذا الوزير أن يستقيل». أما رئيس الحكومة الذي يحاول التماس وساطة من هنا أو هناك والذي لا يزال يوصّف مهمته برأب الصدع، فإنّ أبسط قواعد الأهلية للحكم تقتضي العودة إلى الدستور الذي أعطى الحكومة الحق بإقالة الوزير بثلثيّ أعضائها (المادة 69 من الدستور) هذا إذا كان لا يزال الرئيس ميقاتي يعتبر أنّه على رأس سلطة مستقلة لها آلياتها الدستورية، وأنّ الثقة بالوزراء مصدرها شرعية المؤسسات وليس قوة قاهرة فوق المؤسسات.

 

ليست الحالة التي مثّلها القرداحي فريدة من نوعها، هو الطارئ على دنيا الإعلام بمعناه السياسي، الذي أتاح له السخاء الخليجي فرص الشهرة والمال. إذ يحفل أرشيف العديد من المنظمات والدول حتى المتقدّمة منها بأمثلة لأشخاص ساهمت المتغيّرات العائلية والمهنية والمادية بتحللهم من الإنتماءات الإجتماعية الأوليّة فبالغوا في تقييم قدراتهم، وسهل استدراجهم إلى عالم السياسة أو أحد ميادين الشأن العام لأداء أدوار تتلاءم مع طموحاتهم الجديدة.

 

الأزمة التي استنفرها تصريح قرداحي هي إمعان في التعبير قسراً عن ميزان قوى مفترض وعن تفوّق لإثنية إقليمية وتحدٍّ سافر لأصحاب الأرض واجتماعهم السياسي. فإذا كان القرداحي يبرر للحوثيين، وهم أقل من 10% من سكان اليمن، إنقلابهم على الدولة واعتداءهم على المملكة العربية السعودية للإستيلاء على السلطة، فلماذا لا يعترف للمعارضة السورية بحقها في تغيير النظام في دمشق ويبرر لبشار الأسد كلّ الإرتكابات وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري، تحت عنوان أنّه يتصدّى لحرب كونية على سوريا؟ بل يعتبره رجل العام على مستوى العالم العربي. ولماذا لا يوسّع القرداحي أُفقه السياسي المقفل ليرى أنّ من يبرر لهم كلّ الإرتكابات لا يعترفون بنتائج الإنتخابات التي جرت لمجرد أنّ النتائج لا تخدم هيّمنتهم على العراق؟

 

ولوج الحل يتجاوز الموقف السياسي المؤيّد أو المعارض لأحد أطراف الصراع المفتوح من اليمن الى البحر المتوسط مروراً بسوريا والعراق، والمسألة ليست باستقالة وزير أو بتغيير حكومة، فقد يكون ذلك مدخلاً لبدء المعالجة ومؤشراً للنوايا الحسنة. لقد أضحى مستحيلاً الإستمرار في النفاق الرسمي حول حرص لبنان على العلاقة مع الدول العربية والإمعان في استغباء حكامها واستخدام لبنان كمصدر للتهديد الدائم لأمنها واستقرارها.

 

الأزمة التي تقودها طهران في لبنان محكومة بالتصعيد وهي ليست دبلوماسية أو إقتصادية، بل هي أحد أدوات المواجهة الجديدة مع العالم العربي. هي ليست السقطة الأولى بل واحدة من سلسلة سقطات مميتة في السنوات القليلة المنصرمة، وهي أحد أوجه الصفاقة في التعبير عن الإنغماس في الحرب الإقليمية وقيادة لبنان نحو المجهول، وهي محطة في مسار سلطة فاقدة للتوازن قاطرتها حزب الله لإعادة تعريف لبنان من خلال دور جديد وانتماءٍ جديد.

 

تتصدّر هوية لبنان اللحظة الحرجة التي نمر بها، فهل يتحلى اللبنانيون بالشجاعة الكافية لمواجهة الرهاب الإيراني..

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات