IMLebanon

المنطقة في نفقها الكيماوي

 

إعتبَر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في مستهلّ مؤتمره الصحافي المشترَك مع ملك الأردن عبد الله الثاني، أنّ «الهجوم الكيماوي في خان شيخون في ريف إدلب الذي خلّف 72 قتيلاً بينهم عشرون طفلاً، عملٌ مشين وإهانة للإنسانية». وأضاف أنّ «موقفي من الرئيس بشّار الأسد تغيَّر»، في إشارةٍ واضحة لاتّهامه النظامَ في ذلك.

في المقابل، جاء القرار الروسي على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، داعماً لحليفه في المنطقة. إذ ذكّر «أنّ القوات الجوية السورية قصَفت مستودعاً للذخيرة تابعاً لإرهابيين في خان شيخون في ريف إدلب، يحتوي على أسلحة كيماوية وصلت من العراق».

تتسارع وتيرة الأحداث في المنطقة، وتتصاعد المواقف المحلية والإقليمية وحتّى الدولية، وتتطوّر الأعمال العسكرية، لتنذر بأنّ منطقة الشرق الأوسط دخلت في نفق مظلم لا يبدو الأفق فيه مضيئاً. فالتغيير في قواعد الاشتباك عبر استخدام الأسلحة المحظورة في سوريا والعراق، هو دلالة على خطورة المرحلة المقبلة.

وشهدت المنطقة منذ بداية عام 2010، موجات من الحركات الشعبية المطالبة بالتغيير لأنظمة رسّخت في عقول مواطنيها أنّها أزلية، فرَسَخت في السلطة لعقود طويلة. هذه الحركات الشعبية ما لبثت أن تحوّلت إلى حركات شعبوية في ظلّ نظام أبى التنحّي، ودول خارجية انتهزت الفرصة لتحقيق أحلامها التوسّعية في منطقة تعوم على طاقات بشرية وموارد طبيعية، وذات موقع استراتيجي يُحقّق سياساتها الاستعمارية.

لم يعُد القضاء على تنظيم «داعش» هدفَ الدول المتحاربة على الأرض، لأنّ المصالح تقاطعت في ما بينهم، واختلفَت وجهات النظر في تقرير مصير منطقة تتمزّق تحت أطماعهم. فلم يعُد هناك من محظور أمام القوى المتقاتلة، لتصبح آلة الحرب التدميرية غير التقليدية هي المستخدمة في النزاع. الأمر ألغى اتفاقية جنيف لحظر استعمال أسلحة كيمياوية في الحروب، وخان شيخون مثال على ذلك.

أضاعت القوى اللاعبة محلياً الفرَص لبناء سلام حقيقي، ففشلُ المؤتمرات واللقاءات يوضح للقارئ أنّ المنطقة دخلت مرحلة اللاعودة، وإنّ لغة السلاح ومنطق الغلبة سيكون سيّد الموقف والحاسمَ النهائي للمعارك.

تعيش المنطقة، في تناقضات إقليمية ودولية حول قرار وقفِ الحرب. إذ بيّن:

– الفشل الأممي بفرض السلام ومعاقبة من استخدمَ الأسلحة الكيمياوية، وفي ظلّ إصرار كلّ مِن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في اتّهام نظام الأسد. وتقديمهم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين الهجوم الكيماوي الذي استهدف صباح الثلثاء 4-4-2017، بلدةَ خان شيخون شمال غرب سوريا، والذي يطالب بإجراء تحقيق سريعاً، قابَله اعتراض روسي على القرار واتّهام «داعش»، كما جاء على لسان الخارجية الروسية: نرفض مشروع القرار الدولي الذي يتّهم دمشق بشنّ هجوم كيماوي في سوريا.

– الموقف الإيراني العلني في ترسيخ دورها في المنطقة، بحسب ما أشار مصطفى زهراني رئيس الشؤون الاستراتيجية، في معهد الدراسات السياسية والدولية التابعة لوزارة الخارجية الإيرانية، إلى أنّ «بلاده لا تملك استراتيجة خروج من الحرب في سوريا».

وبما قابله من قرار تركي بانتهاء دور «درع الفرات»، لكنّه سيكون جاهزاً للعمل، عندما ترى القيادة التركية من مصلحة في ذلك، عندها سيعود إلى المنطقة كلاعب أساسي.

أخيراً، في ظلّ معركة ترزَح تحت عبء الإرهاب والحروب، يبدو أنّها دخلت في النفق الأخطر، حيث سقطت كلّ المحرّمات وأصبَح كلّ شيء مباحاً، خصوصاً أنّها معركة مصيرية لجميع الفرقاء المشاركة، ما وضَعنا أمام الإشكالية التالية: لم يعد المهمّ معرفة من ضرب القنابل المحظورة دولياً، بقدر ما أصبَح الأهم: ماذا بعد الكيماوي، وما مصير المنطقة في المرحلة المقبلة؟