Site icon IMLebanon

المنطقة تضغط… والداخل مُحبَط!

 

في معرض قراءتها للتطورات المحلية والاقليمية والدولية، تفاجىء شخصية وسطية محدّثَها بالقول: «أشعر بحكاك رهيب في الفترة… رح إهلك ما عاد فيي إتحمّل»؟! ثم يُتبع هذه الجملة بابتسامة محيّرة تُولّد عشرات علامات الاستفهام.

من الطبيعي ان يعبر المحدِّث عن تعاطف من تلك الشخصية التي تعاني، واللباقة تفرض عليه ان يبادر الى سؤال تلك الشخصية: «عسى خير»؟ ومن ثم ينتظر ان يأتيه الجواب عن سرّ هذا الحكاك، وهل هو ناتج عن حساسية جلدية طارئة، او هو ناتج عن لدغات «برغش»، او هو أثرٌ جانبي لأكلة بهارات او ما شابَه ذلك.

ولكن المفاجأة تظهر وينكشف المستور، وتفصح الشخصية المذكورة عن سرّ معاناتها، وتقول: «إنهم عباقرة الزمن السياسي الحالي، او بالأحرى المنظّرون الجدد، كلما سمعتهم او شاهدتهم على المنابر او الشاشات «بيوقَف شعر بَدني».

لقد نفخونا بأسطوانة مملّة عن إنجازات وإصلاحات وما الى ذلك من مفردات تصبّ في مدار النزاهة والشفافية وحسن السلوك والاخلاق الحميدة والصفات الربانية، يقدمون أنفسهم على انهم قديسون وأشباه آلهة مُنزَلين، فيما الناس ترى بأمّ العين صورة مختلفة عن جوع رهيب على تحقيق المغانم والمصالح والصفقات، وضرب الفساد صعوداً حتى أعلى مستوياته بل سجّلَ ارقاماً قياسية في بعض القطاعات، وصار استغلال النفوذ مكشوفاً للكسب في ايّ من التفاصيل الداخلية، وكأنّ السلطة التي يتربّعون عليها حالياً، هي سلطة مؤقتة وقد يغادرونها في اي وقت، وبالتالي همّهم الاول والاخير هو ان يَنهشوا منها ما استطاعوا قبل ان تفلت من أيديهم»؟!

ثم يأتي هؤلاء العباقرة، والكلام للشخصية المذكورة، ويقولون: «الحمدلله البلد مستقر، فيما حقيقة الواقع اللبناني تؤكد انّ ما يسمّى «استقراراً» ما هو سوى استقرار اصطناعي، كلنا نعرف انّ هذه اكبر كذبة متداولة، ومع ذلك يريدوننا أن نصدّقها، فلنستعرض الصورة ونحكم؛

• هل الوضع السياسي مستقر ومحكوم بنظرة واحدة وموقف واحد ورؤية واحدة، ام انه يقف على حافّة تناقضات حادة قد تفجّره في اي لحظة؟

• هل الوضع الانتخابي مستقر، كيف وأين وعلى أي اساس؟

• هل العلاقات السياسية سليمة، ام انها عداوات مفتوحة على شتى المخاطر والاحتمالات وبعضها، إن لم يكن كلها، تُدار بالريموت كونترول من وراء البحار والمحيطات؟

• هل الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والتربوي والاداري والكهربائي والمعيشي مستقر، ام انه أشبه بعبوات ناسفة وحقل الغام على وشك الانفجار بتداعيات خطيرة في شتى المجالات وعلى طول الخريطة اللبنانية، وها هو فتيل سلسلة الرتب والرواتب قد اشتعل وصار مفتوحاً على تعقيدات وارتدادات شديدة الصعوبة في الاقتصاد وفي السياسة وغيرها؟

• صحيح انّ الوضع الأمني يقال انه مضبوط وممسوك ولكن هل هو مطمئِن الى حد اعتبار لبنان دولة تنعم باستقرار أمني كامل؟

هذه هي الصورة الحقيقية للوضع الداخلي، في رأي الشخصية الوسطية، ومحاولات إخفائها والتعمية عليها او تجميلها وتقديمها على غير حقيقتها، تثير اكثر من الحكاك وفوران الجلد، على حد تعبيرها، لا بل تثير الغيظ من هذا المنحى ومن استغراق كل القوى السياسية، ونحن من ضمنها، في التفاصيل الصغيرة، فيما يتعاظم الخوف من «الآتي الأعظم»، ومن الّا نتمكّن حينها من ان نلحق بالمنطقة وتحولاتها المتسارعة.

فلهذه الشخصية قراءة حَذرة لواقع المنطقة ولبنان ضمنها. وتقول: «أبلغ توصيف لهذا الواقع هو التوصيف الذي التقت عليه الديبلوماسية الغربية والشرقية، ومفاده انّ شبح «أيلول الأسود» يحوم في سماء الشرق الأوسط. ومعلوم انّ «أيلول الأسود» يستحضر معارك الأردن والفلسطينيين في العام 1970، الّا انه مرتبط هذا العام باستفتاء إقليم كردستان العراق نحو الاستقلال.

وبمعزل عن صوابية هذا الاستفتاء او عدمه، تقول الشخصية الوسطية إن مفاعيل هذه الخطوة لا تبقى محصورة ضمن نطاقها الجغرافي، بل ان مفاعيلها ستنسحب نحو كافة الملفات الإقليمية.

والخطورة الكبرى أن يتحول هذا الاستفتاء في لحظة معينة الى عبوّة ناسفة للشرق الاوسط برمّته ونسف كل التسويات الموضعية، التي تمّت خلال الأشهر الماضية، صاعقها في سوريا، وجهاز توقيتها في الولايات المتحدة أو إسرائيل.

واذا كانت موسكو بحسب الشخصية الوسطية تسعى الى نزع فتيل التصعيد وتثبيت التسويات التي كانت الشريك الاساس في صياغتها او بالاحرى فرضها، فإنّ كبسة زر التصعيد في يد واشنطن، التي لا يمكن تَوقّع خياراتها جرّاء التعقيدات الداخلية التي تجعل من الصعب تحديد ما يريده ترامب فعلاً، خصوصاً أنه، وفي محطات كثيرة، خلال السنة الأولى من ولايته الرئاسية، أظهَر الشيء ونقيضه في آن واحد».

ولكن ما تخشى منه هذه الشخصية هو الحرب الباردة الاميركية – الكورية الشمالية بعد ظهور القنبلة الهيدروجينية، فواشنطن لا يبدو أنها قادرة على الدخول في مواجهة مباشرة، الّا انّ ذلك قد يجعلها أكثر استعداداً للتصعيد في أماكن أخرى، بعيدة عن شبه الجزيرة الكورية، للحفاظ على هيبتها السياسية والعسكرية.

وقد لا يكون مستغرباً أن يأتي الرد الأميركي على القنبلة الهيدروجينية من بوابة الشرق الأوسط، وثمّة مؤشرات تَشي كما لو أنّ ترامب قد انقلب على الكثير من التفاهمات التكتيكية والاستراتيجية، وهو ما عكسه في خطابه الاول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

سواء ضد ايران والهدف تهديد وتقويض الاتفاق النووي معها، او النازحين السوريين والدعوة الى توطينهم، وهذا ينطوي فعلاً على توجّه فعلي لإطالة أمد النزاع السوري، على النحو الذي يخدم مصالح واشنطن وحلفائها.

على انّ اخطر ما في الامر كما تلاحظ الشخصية المذكورة، هو تطور ميداني تمثّل في هجوم شنّته «جبهة النصرة» على مناطق تشرف عليها الشرطة العسكرية الروسية، المكلّفة تطبيق اتفاقيات خفض التصعيد، في محافظة حماه، وهو تطور اعتبرته موسكو على لسان رئيس الإدارة العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية الجنرال سيرغي رودسكوي بأنه «لم يكن محض صدفة، بل انّ خبراء أميركيين أشرفوا على إعداده».

والأهم، تضيف الشخصية ذاتها، انّ هذا التصعيد ترافَق مع استنفار داخل اسرائيل التي تتحضّر دائماً لحرب ضد «حزب الله»، وصارت قلقة اكثر ممّا يوصف بـ«الممر الشيعي» الممتد من طهران إلى بيروت، والذي فرضته الأوضاع الميدانية من العراق، مروراً بسوريا، وصولاً إلى لبنان.

ويبقى القلق قائماً من مفاجأة إسرائيلية في اي وقت. خصوصاً انّ أجواء التصعيد واحتمالات الحرب على الحدود الشمالية هي المسيطرة على الطاقمين السياسي والعسكري في اسرائيل.

الّا انّ المسيطر الاكبر على كل اسرائيل هو من جهة هاجس فشل المناورات العسكرية لحماية الداخل، لا سيما المناورة الأخيرة عند الحدود مع لبنان. ومن جهة ثانية تَنامي قوة «حزب الله» وقدراته أضعاف ما كان عليه في العام 2006 بما يجعل ايّ حرب اسرائيلية جديدة على لبنان باهظة الثمن على اسرائيل.

خلاصة كلام الشخصية الوسطية، الشرارات مشتعلة من كردستان، الى الجولان، الى الحدود اللبنانية، الى «الممر الشيعي» من ايران الى لبنان. الروس ربحوا وركّزوا قواعدهم وصارت كلمتهم هي العليا وتحديداً في سوريا، واشنطن من الصعب عليها ان تقبل بذلك، اسرائيل قلقة من «الممر الشيعي»، والمنطقة تغلي وتضغط، والاحتمالات مفتوحة، بينما أهل السلطة وبدل الالتفاف حول البلد، لا يتقنون سوى الالتفاف حول قرص الجبنة الداخلية وأنا منهم، وهذا يجعلني شديد القلق والخوف ممّا يخبّئه الغد لنا، ومن أن يفلت بلدنا المحبط من يدنا في غفلة منّا!