منذ لحظة اندلاع انتفاضة 17 تشرين ويعمل الجيش اللبناني قيادة وضباطاً وجنوداً بميزان دقيق حدّه الأول السماح بالتظاهرات، وحدّه الثاني عدم الإخلال بالأمن وإثارة الفوضى.
وعلى الرغم من الانتقادات السياسية التي طاولت قيادة الجيش وتحديداً العماد جوزف عون من هذا الطرف أو ذاك، بقي العماد عون والجيش على مسافة واحدة من الجميع، مدركان أن حماية السلم الأهلي تقع على عاتقهما وحدهما، في حين أن الخلافات السياسية لم تسجل تراجعاً بل على العكس هي استعرت أكثر فأكثر، وكأن المسؤولين السياسيين يعيشون في بلد والجيش وباقي المواطنين يعيشون في بلد آخر.
حملت قيادة الجيش الهم الوطني وجالت فيه على مختلف المسؤولين والقيادات في شكل مباشر أو غير مباشر، إتصالات مع هذا الطرف أو ذاك، محذرة من حجم المخاطر التي تهدد البلد وتزايدها يوماً بعد يوم، جراء عدم التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة السياسية والاقتصادية وهي أزمة أصابت الجيش أولاً، فكيف ننسى أنه وقبل أشهر قليلة من الانتفاضة حُرم العسكريون من الطعام، وكيف ننسى الاقتطاعات التي أصابت العديد من التقديمات والمخصصات، وكيف ننسى أن هؤلاء الضباط والجنود يوصلون الليل بالنهار في مختلف المناطق اللبنانية من دون نوم ولا راحة، عينهم على الأمن وعلى تجنب الطعنات في الظهر، وعينهم الأخرى على عائلاتهم وأهلهم وأصدقائهم الذين يعيشون وإياهم المعاناة المعيشية والاجتماعية والاقتصادية والمالية، التي ورطتنا بها الطبقة السياسية حتى أصبحنا جميعاً نخشى على المصير.
نعم إن الجيش اللبناني هو الأقوى، هو الضمانة، هو المدافع عن كل اللبنانيين، هو الذي يحمل أوزار ارتكابات السياسيين الذين لا يتورعون عن اتهامه والتقليل من قدراته، وكأن هؤلاء اعتادوا على ضرب وتهديم كل رموز الدولة التي يعتبرونها حقاً مستباحاً لهم ولأزلامهم.
إن الجيش يبقى في هذه الأيام الضمانة الوحيدة لإعادة نهوض الدولة، يكفي أن هذه المؤسسة بقيادتها وعديدها تحظى بثقة المجتمع الدولي كأساس لإستعادة الشرعية والسيادة والاستقلال ومواجهة كل الأخطار التي يمكن أن تحيط بلبنان الغد.