لا اولوية عند الجيش الآن سوى تنفيذ التدابير المنوطة به في مواجهة وباء كورونا. لم يحل ذلك في الايام الاخيرة دون تلقيه سهام تداعيات اطلاق العميل الاسرائيلي عامر الفاخوري، بدءاً من قرار المحكمة العسكرية مروراً بتهريبه انتهاء بمقتل انطوان الحايك
مذ كُشف عن مقتل انطوان الحايك في 22 آذار، الثامنة صباحاً في دكانه في المية ومية، احيل التحقيق الى فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي الذي باشره للفور. اكتفى الجيش بالتعاون تبعاً للمعطيات المتوافرة لديه. لوهلة الجريمة عادية لو لم تصادف بعد تهريب عامر الفاخوري من لبنان من طريق السفارة الاميركية. توقيتها حمّلها مضموناً سياسياً. في تقدير الاجهزة الامنية لم يكن المقصود اغتيالاً لا يحتاج في الغالب سوى الى رصاصة واحدة، مقدار ما كان قتلاً متعمداً تطلّب اربع رصاصات في رأسه وسبع رصاصات في جسده. الامر الذي عنى تصفية حساب قديم معه أُوقظ في توقيت مفاجىء، رغم اقامة القتيل في هذا المكان لسنوات.
لم يكن قتله بهدف السرقة، بدليل ان الفاعلين اكتفوا بإعدامه. الا ان المعلومات المتوافرة عن التحقيقات لم تفضِ بعد الى اي شبهة على اي طرف. لم يُجر فرع المعلومات اي اعمال دهم. بحسب ما في ايدي الاجهزة الامنية، ثمة تكهنات اقرب الى تحليلات منها الى معطيات ملموسة حيال الجهات المستفيدة من مقتل الحايك، تدرجها في مستفيدين ثلاثة: اهالي معتقلي الخيام الذين تعرضوا للتعذيب وساءهم تهريب الفاخوري بعد توقيفه وتالياً تبرئته فصبوا غضبهم على احد ابرز معاونيه الذي لم يقل عنه ارتكاباً، جهات رمت الى استغلال العامل الفلسطيني ومحاولة ادخاله طرفاً نظراً الى قرب مكان سكن الحايك من مخيم المية ومية، اسرائيل من خلال عملاء في الداخل قد تكون توخت الرد على الموقف الاخير للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله من جهة ومحاولة تسعير نزاعات مذهبية وطائفية في هذه المنطقة من جهة اخرى بغية تعزيز الاتهامات المساقة الى الحزب على انه قد يكون صفّى – بقتل الحايك – حسابه مع الفاخوري.
لا لبس لدى الجيش بأن قتل الحايك مرتبط على نحو مباشر بتهريب الفاخوري. وما حدث تالياً جزء من الرسائل السياسية الوفيرة التي صار الى تبادلها مذ دخول الفاخوري الاراضي اللبنانية من المطار في 12 ايلول، وتوقيفه في الغداة لدى الامن العام والتحقيق معه ثم صدور مذكرة توقيف.
اولى الرسائل تلك، ان السفارة الاميركية كادت ان لا توفر مسؤولاً ذا دور ونفوذ في البلاد طالبة منه المساعدة على الافراج عن الفاخوري حامل الجنسية الاميركية. معظم المراجعات تلك تركزت على المسؤولين السياسيين ابان حكومة الرئيس سعد الحريري ثم مع حكومة الرئيس حسان دياب. لم تدخر السفيرة السابقة اليزابيت ريتشارد ثم من بعدها خليفتها دوريث شاي في الاسابيع المنصرمة مناسبة، في لقاءاتهما كلها، لم تطالب فيها باطلاق مواطنها. قابلت السفيرة ايضاً قائد الجيش العماد جوزف عون، وطلبت مساعدته على ايجاد مخرج لهذه المشكلة. جواب القيادة للسائلة الاميركية انها ليست المرجع المعني بالتدخل في شأن هو من صلاحيات وزارة الدفاع، كون المحكمة العسكرية – كهيئة قضائية – احدى مؤسسات الوزارة، وليست تابعة للقيادة او تأتمر بها. بذلك لا يسع الجيش الاضطلاع بأي دور مباشر.
مع ذلك، استمزج رأي القيادة عشرات المرات في المراحل السابقة، منذ توقيف الفاخوري، سواء من الامن العام الذي تولى التحقيق معه او من القضاة المحققين والنيابة العامة العسكرية، بغية الحصول على مزيد من المعلومات عنه والدور الذي اضطلع به في سجن الخيام كآمر له، وكمشارك في تعذيب المعتقلين اللبنانيين.
ثانية الرسائل، موقف عبر عنه قائد الجيش عندما روجع في الموضوع، مفاده ان المؤسسة العسكرية غير معنية بمثول الفاخوري امام القضاء العسكري ولا اخراجه منه، الا انه حض على تطبيق القانون وفق النصوص النافذة. عندما فوتح ايضاً بما عدّه العماد عون لا يدخل في اختصاصه ولا في اختصاص الجيش، وهو ابداء رئيس المحكمة العسكرية العميد الركن حسين العبدالله رغبته في تنحيه عن منصبه قبل اصداره قرار اطلاق الفاخوري، لم يكن للعماد عون موقف يشجع على التنحي او على المضي في القرار. اعتبر ان المسؤولية تعني المرجعية القانونية المرتبطة بالمحكمة العسكرية، وهي وزارة الدفاع. بالتالي لا يسع الجيش ان يملي على رئيس المحكمة او على هيئتها مجتمعة (الى رئيسها اربعة ضباط وقاض مدني) اي موقف. لم يكن للجيش اي دور في المرحلة اللاحقة لتوقيف الفاخوري سوى تولي الشرطة العسكرية حراسته في ثلاثة مستشفيات تنقل بينها بعد ظهور اصابته المتقدمة بالسرطان، في اوتيل ديو وسيدة لامارتين وسيدة لبنان.
في الاسبوع السابق لصدور قرار اطلاق الفاخوري، اخذت قيادة الجيش علماً به، وسئل العماد عون عن رأيه فيه، فكان جوابه المقتضب: تطبيق القانون. احيط علماً ايضاً بأن ما توصلت اليه المحكمة العسكرية، في ضوء مناقشتها الدفوع الثلاثة التي تقدم بها وكيل الفاخوري، تجعلها بلا تردد تطلقه.
في الاسبوع السابق لصدور قرار اطلاق الفاخوري اخذت قيادة الجيش علماً به
ثالثة الرسائل ان البعد القضائي الملازم لقضية الفاخوري، التصق ببعد سياسي. جواب المؤسسة العسكرية عندما راجعها الاميركيون في اطلاقه، ان لا سبيل الى ذلك ما دام يخضع للتحقيق. ذهب هؤلاء الى الرؤساء الثلاثة للطلب نفسه والسؤال ذاته: اعثروا على طريقة لاطلاقه بأي ثمن. لم يكن لدى المسؤولين اي حل قانوني يحفظ ماء الوجه امام الاميركيين، كما امام الرأي العام اللبناني في آن. الواضح ان من المتعذر التوصل الى حل يرضي الطرفين معاً.
طُرح اقتراح محاكمته على ان يُصدر رئيس الجمهورية لاحقاً عفواً خاصاً عنه. بدا من المستحيل توقّع اقدام الرئيس على عفو خاص عن شخص متهم باعدام لبنانيين او تعذيبهم في معتقل اسرائيلي على الاراضي اللبنانية، ناهيك بعلاقة الرئيس بحزب الله وتفهمه اصراره على محاكمة الرجل. روجع حزب الله عبر مسؤول امني كبير في ما تعتزم المحكمة العسكرية اصداره، فعاد بجواب غير مشجع. الا ان ذلك لم يحل دون التوصل الى المخرج الذي ارتأته المحكمة العسكرية باطلاق الفاخوري فوراً.
بحسب الجيش لم يكن الفاخوري الاول الذي يُطلَق لأسباب سياسية. «بل ثمة عشرات من المتهمين بالعمالة لاسرائيل اوقفوا، وحوكموا، واطلقوا بحجج سياسية تلطى وراءها افرقاء ينتمون الى جهات مختلفة متنافرة او متحالفة».