بدأ الحديث يكثر في الفترة الراهنة، عن احتمال حصول معركة كبرى في جرود عرسال تهدف إلى ضرب الجماعات المسلحة التي تنتشر هناك، ومنها تُشكّل خطراً دائماً على لبنان كون جميع عملياتها ضد الجيش تنطلق من هذه الجرود. لكن في ظل هذه المعلومات التي يتناقلها «العراسلة»، ثمة تخوّق لديهم من دخول أطراف أخرى على خط المعركة مما قد يُصعّب الأمر على الأهالي الذين يُعبّرون عن توجسهم الدائم من إستهداف بلدتهم في حال قررت أي جهة حزبية خوض هذه المعركة من دون حسابات مُسبقة لطبيعة عرسال وجغرافيتها المتداخلة مع الجرود السورية وتحديداً القلمون.
منذ فترة والجيش اللبناني يتبع في معركته مع الجماعات المسلحة في الجرود تكتيكاً عنوانه، الصدّ والقضم البطيء. كل المحاولات التي تقوم بها تلك الجماعات لإيجاد منفذ إلى عدد من البلدات الحدودية المنتشرة على خط طول يزيد عن عشرة كيلومترات عند الحدود، جميعها تبوء بالفشل بينما يتابع الجيش بسط سيطرته على التلال والمرتفعات وإن بوتيرة خفيفة، تبعاً للتكتيك. واليوم وفي ظل تقدم «حظوظ» المعركة لجهة الحسم والتي بدأت تلوح في أجواء عرسال، بحسب معظم أبنائها، يخشى العراسلة من امتداد المعركة من الجرود إلى داخل بلدتهم، وهذا القلق الذي يُساورهم بشكل دائم لا يُبرّده سوى وعود المؤسسة العسكرية بإحكام السيطرة على زمام الأمور ومنع تدهور الأوضاع وإنقلابها لا على البلدة ولا أهلها الذين ما زالوا يُعانون حتى اليوم، من الادّعاءات التي كانت تضعهم في قفص الإتهام، مرّة بإيواء الجماعات المسلحة ودعمها، ومرّة بوصف بلدتهم بالبيئة الحاضنة للإرهاب.
ثمة ما يُشعر أهالي عرسال بالتوجس مما قد يحصل في حال حصول معركة في جرودهم. هو شعور يصل إلى حد الخوف من تحويل الأهالي إلى كبش محرقة خصوصاً في ظل تصاريح لقادة في «حزب الله»، أثارت في داخلهم أخيراً، الريبة وجعلتهم يطلبون الحماية والأمن والأمان من الجيش فقط. يقول الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير بمناسبة «يوم الجريح»: «التهديد الأمني تراجع بدرجة عالية جدًا ولم يعد للمسلحين في الجرود قواعد إنطلاق وتفخيخ للسيارات»، معتبراً أن «بؤرة جرود عرسال يجب أن يعمل على معالجتها خلال الفترة المقبلة». ويُقابل هذا الكلام اللغز، حديث آخر لرئيس الهيئة الشرعية في الحزب الشيخ محمد يزبك خلال لقائه أهالي بلدة الطفيل يقول فيه «نتطلع إلى بلدة عرسال العزيزة عندما لا يعود في جرودها من يؤلمها ويعكّر صفو أمنها». وفي الحديثين، ثمة إشارات واضحة بالنسبة إلى «العراسلة»، بأن «شيئاً ما يتحضر في الجرود، وقد بات قاب قوسين من إعلانه».
الجيش قادر اليوم على حسم اي معركة في الجرود وحماية الحدود، في ظل التوافق السياسي الحاصل داخل الحكومة التي أعلنت مراراً وتكراراً، دعمها لمؤسسة الجيش والوقوف إلى جانبها في أي قرار تتخذه، فكيف إذا كان هذا القرار متعلقاً باستئصال الإرهاب من خاصرة لبنان؟
رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري يؤكد في حديث إلى «المستقبل» بأن «هناك كلاماً عن معركة مُحتملة في الجرود، أصبح يتردد كثيراً في الفترة الأخيرة بين الناس وفي جميع وسائل الإعلام المحلية والخارجية. لكن ما يُقلقنا كأهالي عرسال، هو ان تتحول المعركة من الجرود إلى داخل البلدة إذ لا مُشكلة على الإطلاق لدى الأهالي بحصر المعركة في الجرود على الرغم من أن معظم أشغالهم وأرزاقهم وأملاكهم موجودة هناك، لكن يبقى الضرر هناك أخف بكثير من أن يتحوّل إلى قلب عرسال»، مشدداً على ان «الجيش حريص جدّاً على هذا الموضوع، ولديه حرص أكبر على معالجته من دون أن يُسبّب أي خطر أو ضرر على البلدة».
ويُشير إلى «أننا لمسنا من المؤسسة العسكرية ومن المسؤولين السياسيين الذي التقيناهم، حرصاً كبيراً على تجنيب عرسال أي خضة أو تعريضها للخطر. وقد وصفوا لنا الوضع بأنه أشبه بعمل جراحي من خلال المنظار. والأهم في الموضوع كلّه، أن تعويل الأهالي هو على الجيش فقط»، مؤكداً «أننا لا نتخوف من دخول حزب الله على خط المعركة وهو موجود في الأصل في الجرود ومواقعه قريبة جداً من مواقع المسلحين. وكثيراً ما تحصل مناوشات بينهم تؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى».
وعن إستعدادات البلدية في حال وقوع المعركة قريباً، يُشدد الحجيري على أن «هناك رفضاً كاملاً ومُطلقاً من البلدية والأهالي على وجود أي ظهور مسلّح داخل البلدة في حال أقدم الجيش على القيام بعملية عسكرية في الجرود. وحتى السوريين في مخيمات اللجوء هنا، يؤكدون هذا الأمر وهم لديهم حرص كبير أيضاً، بعدم تحويل مخيماتهم إلى مصدر لإقلاق الوضع وخصوصاً ضد الجيش».
يُجمع «العراسلة» على أن بلدتهم تقف أمام الجيش والمؤسسات الأمنية وليس وراءهما في حال تقرّرت الحرب على الإرهاب. ويؤكد الأهالي أن آذانهم وقلوبهم تطرب لسماع هدير آليات جيشهم التي تتجه الى الجرود للتصدي للإرهابيين وأزيز قذائفه التي تُطلق باتجاه أوكارهم. ويكفي فخراً كما يؤكدون أن أيديهم لم تمتد الى هيبة الجيش ولا حتّى اعتدت على جيرانهم في الجهة الأخرى من الحدود، ولدى توجيه سؤال اليهم عن أفراد من البلدة غرّدوا خارج السرب الوطني، تراهم يحملون إجابة «في كل بلدة لبنانية ثمة الصالح والطالح».
وحده الجيش يتواجد على جبهات القتال في عرسال وجرودها على الرغم من وجود نقاط عسكرية لـ «حزب الله»، لكن وحده الجيش أيضاً يتحمّل وزر معارك يومية يخوضها بشجاعة وبسالة. ينتصر فيها على الرغم من الأوجاع التي ترافقه خلالها كسقوط شهداء أبطال وجرحى في صفوفه، لكن هذه الجراح تزيده قناعة بأن الإرهاب مهما كبر حجمه وحجم الدعم الذي يتلقاه، لا يُمكن أن يصمد أمام عزيمة أبناء مؤسسة نذرت نفسها لمواجهات كهذه وكانت ترجمت جزءاً من هذا النذر خلال معارك مخيّم «نهر البارد» الذي ما زال شاهداً على قسَم الرجال الرجال.