IMLebanon

الجيش قدر لبنان  

 

يخطىء من لا يجيد قراءة المرحلة. انها متناهية الدقة وبالغة الخطورة… ولبنان يواجه فيها الكثير من المطبّات والكثير من المحاذير… والكثير من المخططات.

 

صحيح أن الأمن اللبناني ممسوك، وبشكل جيّد. وهو مدار اعتراف من المرجعيات الدولية التي ما إنفكت تهنىء المعنيين على هذا الإنجاز الذي يكاد يكون نسيج وحده في منطقة مضطربة، تنام على حروب وتستيقظ على حروب، فيما الإضطرابات لا تتوقف، أمّا المستقبل فمجهول حتى للبلدان التي تبدو متماسكة. ولعلّ «حكاية» كردستان أول الغيث…

لا نتصور أنّ المسؤولين في لبنان غافلون عن هذه الحقيقة، وهم يدركون، بالضرورة، ما يجري حولهم… ولكننا لا ندّعي أننا نعرف ما هي مخططاتهم في مواجهة ما يُدبر للمنطقة و… لنا! لما لا؟

وهناك موجب للإطمئنان: إنه الجيش.

هذا ليس كلاماً عابراً، ولا كلاماً في الهواء، إنه حقيقة لبنانية واضحة ومثبتة بالوقائع وبذاكرة التاريخ. ولسنا، هنا، في مجال تعداد الإنجازات التي حققها الجيش على مدى تاريخه، وتحديداً منذ الإستقلال حتى اليوم.

وفي تقديرنا، واقتناعنا أيضاً، انه لولا الجيش لما كان لبنان دولة موجودة كما هي الآن. ولا نذهب أبعد لنقول لما كان لبنان موجوداً في المطلق. ويوم حيل دون الجيش وتحمل مسؤولياته في الأحداث التي بدأت في حرب السنتين سقطت الدولة سقوطاً مروّعاً وكان مسلسل المآسي الذي استمر عقوداً… وقد تناسلت حرب السنتين حروباً، وفرّخت نزاعات رهيبة… فلم يبق طرف لم يحارب طرفاً، ولم يبق فريق لم يقاتل فريقاً. ولـمّا توقف قتال «الآخر» ارتد الاقوام الى بعضهم البعض فانقسم كل معسكر الى معسكرات وأقيمت المتاريس في الحيّ الواحد، وتمترس الأخ ضد أخيه في المتراس المقابل.

وعندما وضع الخارج بعضاً من الحدّ لحروبه على لبنان، هذا الوطن الصغير المعذّب، كان لابدّ من الجيش ليعيد إحياء دوره عموداً فقرياً لاستعادة لبنان من براثن ذئاب ووحوش التقسيم والشرذمة والتفتيت.

وكانت الأعجوبة أن هذا الجيش استطاع أن يعيد توحيد صفوفه في فترة زمنية محدودة… فكانت عملية دمج الألوية وانخراط الجيش في ورشة عودة الدولة. وكان لنا الحظ أن نكون في موقع الإطلاع عن قرب على تلك المرحلة (…).

وتولّى الجيش الأمن على امتداد رقعة الوطن، الى جانب قوى الأمن الداخلي وسائر الأجهزة. فقام لبنان (فعلاً) من بين الركام ومن تحت الأنقاض، حتى صحّت في هذا الوطن أسطورة طائر الفينيق.

وحفلت السنوات الطويلة (منذ مطلع التسعينات حتى اليوم) بإنجازات عديدة، ومن أسف أن الحراك السياسي لم يكن موازياً لأهمية الجيش ودوره. الى أن كانت حرب الجرود والانتصار الحقيقي المؤزّر الذي حققه جيشنا البطل باعتراف حكام وقادة جيوش دول عظمى، ولأن هناك قراراً مسؤولاً سياسياً شجاعاً ورؤيوياً.

استعدتُ، أمس، هذه الوقائع السريعة بعدما استمعت الى الكلمة البليغة، الهادفة، الواصلة، بوضوح وصراحة وببساطة القوة… التي ألقاها قائد الجيش العماد جوزف عون، العسكري الحقيقي، المنزه عن اللعبة السياسية… وقلت للزملاء الذين التقيتهم في إحتفال قيادة الجيش تكريماً للإعلاميين: أجل هناك ما يطمئن، بوجود الجيش، رغم مخططات الشرّ، وما أكثرها.

وأما القائد فذكّرته وأنا أشد على يده بقولي الذي رُفع ذات يوم يافطات في العاصمة والمناطق: «إذا كانت الجيوش ضرورة للأوطان فإنّ الجيش هو قدر لبنان».