منذ فترة والجيش اللبناني يتبع في معركته مع الجماعات المسلحة في الجرود سياسة القضم والصدّ. كل المحاولات التي تقوم بها تلك الجماعات لإيجاد منفذ إلى عدد من البلدات الحدودية والمنتشرة على خط طول يزيد عن عشرة كيلومترات عند الحدود، جميعها تبوء بالفشل بينما يتابع الجيش بسط سيطرته على التلال والمرتفعات وإن بوتيرة خفيفة.
منذ أمس الأول ومحاولات نفاذ المسلحين من الجرود إلى بلدة عرسال وجوارها لم تنجح. بدأ الثلج بالذوبان وبدأت معه تحضيرات الأطراف المتقاتلة للمرحلة المقبلة، مرحلة لن تقل حماوة عن شمس آذار التي بدأت تلعب هي الاخرى دوراً بارزاً على صعيد التكتيكات العسكريّة إذ إن كل جهة تستعد على طريقتها وبحسب ما تقتضيه خططها لساعة الحسم المرتقبة التي يبدو أنها أصبحت على مرمى حجر«.
من دون ادنى شك أن لدى الجماعات المسلحة ورقة ضغط تستعملها في وجه الدولة اللبنانية وهي ورقة العسكريين المخطوفين، ولذلك قد لا توافق الحكومة اللبنانية على أي خطوة تصعيدية في هذا الشأن خصوصاً في ظل شيوع أخبار تتعلق بمدى تقدّم المفاوضات مع الجهات الخاطفة من خلال الوساطات الإقليمية والمحليّة التي تديرها «خليّة الأزمة» في حكومة الرئيس تمّام سلام، على عكس ما تُشيعه بعض الأجواء عن أن الجيش اللبناني يتحضّر لتوسيع رقعة إشتباكات الجرود وملاحقة المسلحين حتى القضاء عليهم. كما «العراسلة» كذلك هم اهالي «القاع» و»رأس بعلبك» وغيرهم في القرى والبلدات البقاعية الحدودية، جميعهم يخشون على أمنهم وقراهم في حال تمكّن المسلحون من إحداث ثغرة للدخول منها بإتجاه الحدود اللبنانية.
لكن السؤال الأبرز هل الأمر متاح لهذه الجماعات بالتوغّل ضمن الأراضي اللبنانية في ظل الإنتشار الذي يتّبعه الجيش؟. عن هذا يجيب الخبير العسكري العميد المتقاعد نزار عبد القادر ويقول: من المفترض أن مسلحي الجرود هم إمّا موجودون داخل الأراضي السوريّة أو عند اطراف جرود عرسال ورأس بعلبك، وتقدمهم بإتجاه العمق اللبناني سيُواجه بخط إنتشار طويل ومتين للجيش من شأنه ان يُصعّب عليهم الامور وسيُكبّدهم خسائر فادحة خصوصا بعد الإنتشار الذي نفذته وحدات من الجيش في تلك المناطق اواخر الشهر الفائت.»
وبحسب عبد القادر فإن الجيش اللبناني سيدافع بشراسة عن مواقعه والنقاط التي يتمركز فيها، ولكن من المؤكد انه لن يقوم بأي مبادرة فرديّة لطرد الجماعات المسلّحة من مراكزها في داخل الاراضي السورية لأن من شأن ذلك أن يصب في مصلحة النظام السوري الذي يحاول زجّ الدولة اللبنانية بحربه والجيش مُلزم بقرار الحكومة وسياستها لجهة النأي بالنفس عن هذه الحرب»، مشيرا الى ان «موضوع العسكريين المخطوفين هو عامل ضغط على لبنان ككل وليس على فئة محددة وسيكون عائقاً إضافياً أمام الحكومة في حال أعطت قرارا بتصعيد العمل العسكري في الجرود وهذا أمر لا اظن ان الحكومة قادرة على احتماله أقلّه في الفترة الحالية.»
عرسال البلدة الحدودية الواقعة على تماس مباشر لعمليات القصف المتبادل بين الجيش والجماعات المسلحة، تترقّب هي الأخرى ما يمكن ان تؤول اليه الأحداث في القريب المنظور خصوصاً في ظل التقارير التي تتحدث عن نيّة المسلحين بالدخول الى بلدتهم أو إلى بلدات أخرى للإنتقام من «حزب الله». في هذا السياق يؤكد عبد القادر أن «كل الأمور ممكنة وقد تحصل مناوشات أو أكثر عند اكثر من نقطة حدودية وربما تطوّر الأمور إلى ما هو أعظم. ولكن كل ذلك يبقى من باب التكّهنات والإفتراضات والتحليلات السياسيّة التي تتفنن بها بعض وسائل الإعلام اللبنانية، فمن أسوأ الأمور وأصعبها لأي محلل عسكري هو أن يقرأ في نوايا العدو خصوصاً إذا كان هذا العدو يتّبع نهج حرب العصابات، ولذلك قد تكون معظم هذه التحليلات في الكثير منها من باب التنجيم والمغالطات.» أمّا في ما خص وضع الجيش عند الحدود وقدرته على صد أي اعتداء ومنع التسلل إلى داخل الأراضي اللبنانية، يجزم عبد القادر أنه «بعد عملية تمركز الجيش الأخيرة بشكل دفاعي ووضعه شبكة نيران مدفعيّة هامّة، سيكون من الصعب جدّاً إختراق مواقعه الدفاعيّة. وأوّد ان اشير إلى أن الجيش أصبح قادرا على إستقدام تعزيزات عسكريّة بسرعة فائقة تُمكّنه من التحوّل من موقع الدفاع إلى موقع المهاجم بفترة قياسيّة وهذا خيار قد يعتمده في أي وقت وبحسب ما تتطلّب الحاجة.»
هو جيش لا يتّكل على فصول ولا على تبدّلات مناخية ولا إقليمية، جيش معني فقط بحماية شعبه وحدوده. عناصر تتأقلم مع الطبيعة، جباهها تُعانق الجبال ويدها على الزناد. عناصر تؤمن بأن حماية الوطن تبدأ من هذه النقاط ومن على هذه النقاط يكون الأمر لهم فقط.