حتى كتابة هذه السطور، كانت المداولات السياسية خلف الكواليس انتهت إلى ترجيح كفة التعيين على التمديد، خلافاً لكل الأجواء التي سادت في اليومين الماضيين، وعشية الجلسة التشريعية لمجلس النواب. وأفضى الاتفاق «حتى الساعة» إلى أن تتولى الحكومة تعيين بديل من قائد الجيش جوزاف عون بعدما انضم «حزب الله» إلى «التيار الوطني الحر» بإعلان مقاطعته جلسة الحكومة فيتعذر انعقادها بلا نصاب قانوني.
وعلى قاعدة «لا يموت الديب ولا يفنى الغنم»، تمّ الاتفاق على صيغة يراهن معدّوها على أن تريح البطريركية المارونية ولا تحرج باسيل. وتقضي بتكليف الحكومة، في جلسة يدعو اليها الرئيس نجيب ميقاتي، وبناءً على اقتراح وزير الدفاع موريس سليم، أحد الضباط مهمات قيادة الجيش بالوكالة بما يشبه واقعة تعيين وسيم منصوري. سيناريو يرضي باسيل ويؤمّن له مطلبه بإخراج قائد الجيش جوزاف عون من قيادة المؤسسة العسكرية بينما تخسر «القوات اللبنانية» معركة تمديد مهماته.
وخلافاً لمعطيات ليلة الثلاثاء حين تقدّم التعيين، هل تتبدل الوقائع ويرحّل ملف التمديد إلى مجلس النواب الذي كان رئيسه نبيه بري طلب تجنيبه تجرع كأسه المرة؟ كل الاحتمالات واردة في خضمّ المعركة السياسية المحتدمة بين المتحمسين لبقاء جوزاف عون والفاعلين على خط إبعاده.
على مدى أيام خلت بقي الملف متأرجحاً بين الحكومة ومجلس النواب. ظنّ رئيس الحكومة أنّ ترحيله إلى مجلس النواب يجنّبه ضغوط الخارج وتعريض القرار للطعن، وفي مجلس النواب كان المفترض أنّ التمديد حلّ ضيفاً ثقيلاً على جدول أعمال الجلسة التشريعية لبته. لكن حصل ما لم يكن في الحسبان، هدّد «حزب الله» بالتغيب عن جلسة الحكومة، وأبلغ المعاون السياسي الحاج حسين الخليل رئيس الحكومة الموقف، وهو ما نفته مصادر ميقاتي، فيما أعاد «حزب الله» تأكيده، خصوصاً أنه لم يكن في وارد الإخلال بوعده لباسيل برفض التمديد.
كان أغلب الظن أنّ انعقاد جلسة التشريع نضجت، وأبلغ النائب علي حسن خليل موفداً من رئيس المجلس نائب «القوات» ملحم رياشي التزامه بإدراج مشاريع ملحّة في جدول أعمال الجلسة التشريعية لإمرار اقتراح قانون التمديد لقائد الجيش الذي سبق وتقدّمت به «القوات». لكن بري لم يتبلغ جواباً قاطعاً منها بعد.
تخوفت «القوات» من أن تخالف مبدأها فتشارك في جلسة تشريعية تنتهي دون إقرار التعديل، وتخوّف بري في المقابل من ألا تلتزم «القوات» حضور الجلسة. أزمة ثقة جديدة تعتري علاقة الطرفين رغم التواصل القائم بينهما. تختصر مصادر نيابية المشهد بالقول إنّ «كل طرف يرمي المسؤولية في ملعب الطرف الثاني. من الأساس يرغب بري في أن تتولى الحكومة بتّ مصير قيادة الجيش، لكن المشكلة أنّ «حزب الله» رفض تأمين جلسة حكومية تثير أزمة مع باسيل. فيما تعهد بري لـ»القوات» بعرض مشروع قرار التمديد الذي تقدمت به إذا حضر نوابها جلسة التشريع، وتجنّبوا النقاش إلا متى عرض مشروع قرار التمديد». لكن المشكلة تكمن بوجود أكثر من مشروع قانون للتمديد للقادة الأمنيين والعسكريين، فاقترح بري دمجها في مشروع قانون واحد، ما عزّز الخشية من فتح النقاش في شأنها بين النواب ما يعطّل بتّ التمديد. لذلك جاء من يقترح العودة إلى الحكومة ورئيسها الذي يشترط تأمين التغطية السياسية، ولكن لا «حزب الله» مستعد للمشاركة في ما يغضب الحليف، ولا باسيل مستعد أن يشارك في جلسة للتمديد أو التعيين الّا من خلال المراسيم الجوالة.
أكدت المصادر أنّ العودة إلى الحكومة كانت ستحصل حتى وإن أقرّ التمديد في مجلس النواب، لوجوب تعيين رئيس أركان. وما دامت الحكومة مجبرة على المخالفة لتعيين رئيس أركان، فلتكن المخالفة مزدوجة فتعيّن قائداً للجيش ورئيساً للأركان. لكن لميقاتي رأي يقول إنّ تعيين قائد جيش جديد سيلزمه ملء الشواغر على كثرتها، وهو أمر خلافي، لذا يفضّل إخراج القرار من عند الحكومة.
مصادر وزارية قالت إنّ العقدة لا تزال قائمة، اذا كان مجلس النواب رفض إدراج مشروع التمديد فلماذا تأخذه الحكومة على عاتقها؟ وتابعت «إنّه من الصعب اكتمال النصاب لأي جلسة حكومية والقرار الفصل هو لـ»حزب الله». لكن مصادر مقربة منه قالت إنّ التمديد لم يكن محسوماً، بل مجرد خيار من الخيارات، وإنّ القرار النهائي رهن المشاورات، لكن في كلا الحالين «الحزب» لن يؤيده وانسحاب نوابه من الجلسة التشريعية كان خياراً وارداً لتجنّب التصويت لصالح التمديد. خلط أوراق جديد ردّ بتّ مصير قيادة الجيش إلى الحكومة، فهل يُرضي خيار تعيين ضابط بالوكالة الجميع بما فيه دول الغرب المتخوفة من الفراغ على رأس المؤسسة العسكرية «أكثر من تمسّكها بشخص بعينه»، على ما تؤكد مصادر حكومية؟