وكرٌ جديد من أوكار الإرهاب في عرسال ضربه الجيش اللبناني بيد من حديد صباح أمس، وأحبط معه مخططاً كان يُراد له إسقاط أكبر عدد من الضحايا بعمليات إنتحارية كانت تجهز داخل مخيمات النزوح، ليفتح الباب أمام الإسراع في إقتلاع ما تبقّى من إرهابيين وما يشكلون من خطرٍ على البلاد.
بحسمٍ وعزم وقوة إرادة وتضحية في سبيل إنقاذ البلاد من شرٍّ محتمل ومنع الإرهابيين من تحقيق أهدافهم، كانت عملية نوعية ودقيقة للجيش اللبناني في عرسال، عملية وإن كانت كسابقاتها لجهة الدقة في التنفيذ والمبادرة، لكنها كانت أكبر بكثير من حيث حجم المؤامرة التي كانت تُحاك داخل المخيمات التي أصبحت قنابل موقوتة قابلة للإنفجار في أيّ لحظة إذا ما عولجت بالطريقة الصحيحة، فالإرهابيون يتحصّنون داخلها ويتّخذونها والأهالي ولا سيما النساء والأطفال دروعاً تحميهم وتساهم في إنجاز أعمالهم ومخططاتهم الإرهابية بصمت.
وفي تفاصيل العملية وفق ما روى مصدر أمني لـ«الجمهورية»، أنه وعند الخامسة فجراً أحكمت قوّةٌ كبيرة من الجيش مؤلّفة من فوج المجوقل وألوية عسكرية متمركزة في عرسال والجوار بالإضافة إلى دورية من مديرية المخابرات الطوقَ على مداخل بلدة عرسال لا سيما على مخيمات «النور» و«القارية» نسبة لسكانه من بلدة قارة السورية.
وبفترة زمنية سريعة تمكنت القوى من إحكام الطوق والسيطرة على المخيمَين اللذين كانا الهدف الأساسي بعد معلومات مسبَقة ومتابعة حثيثة من مديرية المخابرات تفيد بوجود عدد كبير من العبوات داخل المخيمات يعمل الإرهابيون على تحضيرها.
وإنها تضمّ مواد كيماوية الى جانب احتوائها أحزمةً ناسفة وأسلحة وإرهابيين يتجهّزون لتنفيذ عمليات في الداخل اللبناني. وبعد إكتمال المعلومات والمراقبة الدقيقة عن استكمال تجهيز العبوات إتُّخذ القرار بدهم المخيمات.
وأشار المصدر الأمني الى أنّ «الجيش بدأ العملية فجراً بتطويق المخيمات وإقتحامها حيث عمد المسلّحون الى إطلاق النار عليه، ووقعت إشتباكات، ونظراً لإحكام الطوق على مداخل المخيمَين ومخارجهما وعدم تمكّن الإرهابيين من الفرار حاول أربعةٌ منهم تفجيرَ أنفسهم (إثنان في مخيم النور وإثنان في مخيم القارية عرف منهم خلدون حلاوة الملقب بأبو عبيدة وآخر ملقب بأبو عائشة) بعناصر الجيش الذين كانوا على يقظة، ففتحوا النار على الإرهابيين ما حال دون وقوع ضحايا في صفوف الجيش، فيما قتلت تفجيرات الإرهابيين طفلة سورية.
واستمرت الاشتباكات أربعين دقيقة إتّخذ خلالها الإرهابيون الأطفالَ والنساءَ داخل المخيمات دروعاً بشرية، وقد سقط سبعة قتلى من الإرهابيين عُرف منهم: مرشد الرفاعي، رضوان عيسى، جهاد كنعان، نايف برو، وعدد من الجرحى نُقلوا جميعاً الى مستشفى الرحمة، كما تمّ إلقاء القبض على 350 سورياً غالبيتهم وفق المصدر من أصحاب الشبهات والمطلوبين وهذا ما ستكشفه التحقيقات خلال الأيام، علماً أنّ من بين الموقوفين إرهابيين خطيرين ملاحَقين من الجيش.
وفيما صادر الجيش عدداً من الأحزمة الناسفة والأسلحة والعبوات وموادَ كيماوية، استكمل تمشيطَ المخيمات كمخيم أبو طاقية ووادي عطا، في وقت عملت طوافة على نقل جرحى الجيش وجميعهم في حال مستقرّة الى مستشفيات بيروت ليفكّ الطوق عند التاسعة صباحاً.
ووصف المصدر الأمني العملية بـ«الناجحة جداً وبأنها حققت أهدافها بنجاح، ومرحلة ما بعدها ليست كما قبلها»، مشدِّداً على أنّ «عرسال في حضن الوطن وتحت أعين الجيش وأنّ العبوات التي كانت تُعدّ للداخل أزيل خطرُها بفضل عملية الجيش». وقد انعكست العملية ارتياحاً لا سيما على القرى المجاورة، حيث شكر الأهالي الجيش على عمله في محاربة الإرهاب وحماية الحدود.
بيان الجيش
وفي السياق، أعلن الجيش في بيان أنه «وأثناء قيام قوّة من الجيش بتفتيش مخيّم النور العائد للنازحين السوريين في بلدة عرسال، فجّر انتحاريّ نفسه بواسطة حزام ناسف أمام إحدى الدوريات المداهمة ما أدّى إلى مقتله وإصابة ثلاثة عسكريين بجروح غير خطرة.
وفي وقت لاحق فجّر ثلاثة إنتحاريين أنفسَهم من دون وقوع إصابات في صفوف العسكريين، كما فجّر الإرهابيون عبوةً ناسفة، فيما ضبطت قوى الجيش أربع عبوات ناسفة معدّة للتفجير، عمل الخبيرُ العسكري على تفجيرها فوراً في أمكنتها.
وخلال قيام قوّة أخرى من الجيش بعمليّة تفتيش في مخيّم القارية التابع للنازحين السوريين في المنطقة نفسها، فجّر أحدُ الإرهابيين نفسَه بواسطة حزام ناسف بلا وقوع إصابات في صفوف العسكريين، كما أقدم إرهابيّ آخر على رمي قنبلة يدوية باتجاه إحدى الدوريات ما أدّى إلى إصابة أربعة عسكريين بجروح طفيفة».
وأضاف الجيش في بيانٍ ثانٍ أنه «أثناء عملية الدهم التي نفّذتها قوى الجيش في مخيّم النور، فجّر أحدُ الانتحاريين نفسه وسط أفراد عائلة نازحة ما أدّى إلى وفاة فتاة تنتمي إلى هذه العائلة».
قائد الجيش
وللإطلاع على الوضع الميداني، تفقّد قائد الجيش العماد جوزف عون قوى الجيش المنتشرة في منطقة عرسال، والتقى الضباط والعسكريين الذين نفّذوا المهمّة، واطّلع على أوضاعهم وحاجاتهم المختلفة.
ونوّه قائد الجيش بتضحياتهم، وتمنّى الشفاء العاجل لرفاقهم الجرحى، مثنياً على «شجاعتهم في مواجهة الإرهابيين وأدائهم المهمّة بدقة واحتراف عاليين». وأشاد بـ«حرصهم التام على تجنيب سكان المخيَّمين وقوع خسائر في صفوفهم»، مؤكداً التزام القيادة الدائم «حماية المدنيين في جميع العمليات العسكرية».
وأشار عون إلى أنّ «ما جرى يؤكّد مرّة أخرى قرار الجيش الحاسم في القضاء على التنظيمات الإرهابية وخلاياها وأفرادها أينما وجدوا على الأراضي اللبنانية، ومهما كلّف ذلك من أثمانٍ وتضحيات»، لافتاً إلى أنّ «المرحلة المقبلة ستشهد تكثيف العمليات النوعية لاقتلاع هذا الشر الخبيث، الذي لا يعير أيّ اهتمام بحياة الإنسان، ويضرب عرض الحائط كلّ القيم الدينية والإنسانية والأخلاقية».
ودعا قائد الجيش العسكريين إلى «مزيد من اليقظة والجهوزية والاستعداد للتضحية، دفاعاً عن الوطن وحفاظاً على مسيرة أمنه واستقراره».
زيارة القاع
ولمناسبة مرور عام على التفجيرات الإرهابية التي تعرضت لها بلدة القاع، زار قائد الجيش مبنى بلدية القاع، والتقى رئيسها بشير مطر وأعضاء المجلس البلدي ومخاتيرها وعدداً من الأهالي، الذين أعربوا عن تقديرهم لجهود الجيش وتضحياته في سبيل حماية أهالي القرى والبلدات الحدودية. من جهته، طمأن العماد عون الأهالي إلى أنّ «الجيش سيبقى إلى جانبهم ولن يسمح للإرهاب بتهديد أمنهم وسلامتهم».
وأكد أنّ «الجيش اللبناني في حال جهوزية تامة للتصدي لكل ما يُهدّد الأمن، وهو في موقع الهجوم وليس في موقع الدفاع ولن ننتظر الارهابيين». ونوه بـ«تضحيات الشهداء الذين تصدوا للارهاب دفاعاً عن لبنان».
أما رئيس بلدية القاع بشير مطر فأكد «الاستعداد للوقوف إلى جانب الجيش لحماية الوطن الذي تمثل القاع بوابته الشرقية».