بعيداً من التجاذبات السياسية الحاصلة في البلد منذ فترة، والمتعلقة بإنجاز قانون انتخاب جديد، وانقسام الآراء بين مؤيد لهذا القانون ومُعترض على ذاك المشروع أو الطرح، ثمة ثابتة واحدة تتعلق بالعمل الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في الميدانين العسكري والأمني، والتطور البارز الذي يُحرزه الجيش ويُحققه على هذين الصعيدين، سواء في معركته التي يخوضها في الجرود ضد الإرهاب، أو ملاحقته الخلايا الإرهابية والعصابات المُسلّحة في الداخل. وكل هذه الجهود تأتي على وقع الدعم السياسي اللامحدود الذي توليه الحكومة مجتمعة لهذه المؤسسة والمبني على أولوية عمادها الأمن.
وكانت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه أصدرت بياناً أكدت فيه أنه «نتيجة الرصد والمتابعة، تمكّنت مديرية المخابرات من توقيف المدعو فيصل حسين مملوك لارتباطه بكتائب عبدالله عزام، وقيامه بأعمال إرهابية وتطويق مراكز الجيش واقتحام مبنى قوى الأمن الداخلي في عرسال والاشتباك مع عناصره، ما أدّى إلى استشهاد عدد من العسكريين وإصابة آخرين، بالإضافة إلى قيامه بجرم تهريب الأسلحة والذخائر الحربية والاتجار بها لمصلحة المجموعات الإرهابية». ويأتي هذا الجهد الذي يُضاف إلى مجموعة إنجازات سابقة، ضمن سياق التركيز على العمليات النوعية التي يقوم بها الجيش والتي تُفضي في غالب الأحيان، إلى تحقيق خرق أمني كبير في صفوف الجماعات الإرهابية التي تتربص بلبنان عند الحدود وفي الداخل وغالباً ما يخرج الجيش بغنائم كبيرة ليس أقلها القبض على مسؤولين وقياديين إرهابيين.
كثيرة هي الأسباب التي تمنح قيادة الجيش زخماً ودفعاً للتعامل بحرية ومسؤولية وإستقلالية كعادتها، مع الأحداث التي تطرأ على الساحة اللبنانية وتحديداً لجهة التعاطي مع ملف الإرهاب عند الحدود وشبكاته الإرهابية في الداخل والممتدة من الشمال إلى الجنوب. فالدعم السياسي يأتي في المرتبة الأولى في ظل حكومة وحّدت قرارها في جميع المسائل التي تتعلق بأمن الوطن والمواطن بالإضافة إلى الثقة التي منحتها الحكومة للجيش لناحية تعاطيه مع ملف الإرهاب من دون رحمة. واللافت في هذا السياق، أنه ومنذ اللحظة الأولى لسد الفراغ الرئاسي بوصول العماد ميشال عون إلى بعبدا والتي تلاها تشكيل حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري، حرص العهد على ضرورة تأمين مظلّة أمنيّة لبقاء معادلة الأمن والاستقرار في الداخل اللبناني في ظلّ حرص الأجهزة الأمنية برمتّها على توفير سلامة وأمن اللبنانيين والسياح، كخطوة أساسية على طريق إخراج لبنان من دائرة الاستهداف المتواصل خصوصاً حقبة التفجيرات الانتحارية التي كان شهدها البلد في مرحلة سابقة.
بحسب القراءات الميدانية في ما يتعلق بالإنجازات الأمنية التي تحقّقت في البلد، والتي جاءت معطوفة على أوّل تصريح لرئيس الحكومة، والذي أكد فيه العمل على أولوية تثبيت الأمن مروراً بحل المشكلات المتعلّقة بملفّي الكهرباء والنفايات وصولاً إلى إنجاز قانون إنتخاب، فقد شكّل التوافق الأمني بين الأجهزة المعنية بادرة جديدة للعمل تحت إشراف الحكومة ومتابعتها، وقفزة نوعية في عالم الأمن أدت بداية إلى توقيف أمير تنظيم «داعش» في مخيم عين الحلوة عماد ياسين، واستلحقت بعميلة نوعية استباقية أدت إلى إحباط عملية تفجير مقهى الكوستا في الحمرا، وأُضيف إليهما الإفراج عن المخطوف سعد ريشا بعد ساعة من عمليّة اختطافه.
كل هذه الإنجازات التي افتتح فيها العهد إنجازاته الأمنية، أرخت ارتياحاً واضحاً وتنسيقاً بين الأجهزة الأمنية وعملها، والذي شكّل إلى حد كبير، هاجساً للخلايا الإرهابية والتضييق عليها بحيث صارت ارتكاباتها محكومة ومحصورة ضمن المناطق التي تتواجد فيها، وهو ما يعمل الجيش على فكفكته من خلال العمليات الاستباقية داخل أوكار هذه الجماعات. وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية لدى الأجهزة الأمنية والتنسيق النوعي بينها، كانت إشادة من الرئيس الحريري بالتنسيق الذي حصل بين الأجهزة الأمنيّة في عملية إحباط التفجير الارهابي في مقهى «الكوستا»، وما سبقه وتلاه من عمليات أخرى.
المؤكد أن ثمة قراراً داخل قيادة الجيش يقضي بالتعامل بحزم وحسم مع الحالة الإرهابية في الجرود اللبنانية كافة وخصوصاً عرسال التي يعتبرها هؤلاء بمنزلة رهينة بين أيديهم على الرغم من قرار أهلها غير الخاضع للشك ولا حتى للتأويل في ما خص دعمهم اللامتناهي للشرعية ولمؤسسة الجيش على وجه الخصوص. وعطفاً على هذا القرار، ثمة أمر غاية في الأهمية، وهو قدرة الجيش على تعزيز صموده ضمن المناطق المتواجد فيها في الجرود وتسهيله عمليات إستقدام تعزيزات عسكريّة بسرعة فائقة تُمكّنه من التحوّل من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم في فترة قياسيّة. وتضاف إلى هذه القدرات، قوّة مميّزة على اختراق مواقع الإرهابيين واصطيادهم، وآخرها عملية نوعية في منطقة وادي الحصن في عرسال أدت إلى مقتل الأمير الشرعي لتنظيم «داعش» الملقّب بـ «المليص»، والعملية النوعية التي نفذتها مروحيات الجيش والتي استهدفت مواقع للإرهابيين في الجرود بمتابعة مباشرة من الرئيس عون من داخل القيادة العسكرية في وزارة الدفاع.
من مشاركته في حرب فلسطين عام 1948 وتحديداً معركة المالكية مروراً بالمعارك المتقطعة والمناوشات التي كانت تحصل بينه وبين «منظمة التحرير الفلسطينية» والتي أدت إلى توقيع إتفاق القاهرة، ثم المعارك ضد الجماعات المتشددة في الضنية ودخوله الحرب ضد اسرائيل في العام 2006 وبعدها معارك مخيم «نهر البارد» العام 2007 وأيضاً أحداث طرابلس الأخيرة، وصولاً إلى حربه ضد الجماعات الإرهابية في الجرود، يُثبت الجيش أن قدرته على التعاطي مع الأحداث الطارئة والتأقلم مع طبيعة الظروف، على الرغم من القدرات العسكرية المتواضعة التي يمتلكها، تفوق قدرة العديد من الجيوش، باعتراف الداخل والخارج وتحديداً الوفود العسكرية والأمنية التي تزور لبنان في هذه الفترة.