نحن في حاجة الى ما تسميه حنة أرندت الحق في أن تكون لك حقوق. والفرصة باتت مفتوحة، أقله على صعيد الاستعداد، بعد سنوات طويلة من التصرف بحقوقنا. فالضائع في غابة العصبيات الطائفية والمذهبية وحماية الفساد والسطو على المال العام هو الحق في أن نكون مواطنين لتكون لنا حقوق المواطن. والمطموس في زحام المصالح وصراعات المحاور والمشاريع الاقليمية والدولية هو الحق في ان يكون لبنان وطنا لتكون له حقوق الوطن داخل حدوده وخارجها.
والوقت حان للاحتكام الى الدستور في حلّ اية أزمة بدل التحكم بالدستور وترك الأزمات تقود الى شل المؤسسات والتكيّف مع الفراغ. وحان للانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج كما يقول الرئيس ميشال عون. فلا أولوية تتقدم حاليا على انجاز موازنة ٢٠١٧ بعد ١١ سنة من دون موازنات. ولا يبدّل في الأمر ان هذه الموازنة ليست بداية الانتقال الى الاقتصاد المنتج. فهي أقل من موازنة دكان: ٩١% من أرقامها لتغطية نفقات جارية، رواتب وايجارات وخدمة دين عام، و٩% فقط للانفاق الاستثماري. وهي مسبوقة بخطوة كبيرة في الاقتصاد الريعي تحت عنوان الهندسات المالية لتثبيت سعر الليرة.
لكن إقرار الموازنة يمكن ان يكون بداية النهاية للخروج من الإقتصاد الريعي، بحيث نصل بالفعل الى ضمان سعر الليرة ب الإنتاج لا بالريع والفائدة كما يقول رئيس الجمهورية. فليس من المعقول ان يصل عجز الكهرباء بين ١٩٩٢ و٢٠١٦ الى ٣٣ مليار دولار، اي ٤٤% من الدين العام ومن دون ان تحل مشكلة الكهرباء. ولا من المقبول ان تتزايد أرقام الدين العام وخدمته سنة بعد أخرى من دون أية خطة للتدرّج في ايفاء الدين العام.
ولا أولوية ثانية تتقدّم على دعم الجيش وأجهزة الأمن. وإذا كان الاقتصاد المنتج، لا الطفيلي والريعي، هو البنية التحتية القوية للسياسة التي تبني مؤسسات الدولة، فإن الجيش هو عمود الدولة التي عمادها الدستور. ففي عز الشغور الرئاسي والخلافات السياسية نجح الجيش في حماية الأمن الوطني والحفاظ على الحد المعقول من الإستقرار في منطقة تمور بالحروب والصراعات والتنظيمات الإرهابية. وفي ظل العودة الى الرئاسة وعمل المؤسسات قام الجيش بعمليات نوعية استباقية ضد الإرهابيين انقذت البلد من عمليات وحشية خطيرة. ولا شيء يؤذي لبنان اليوم اكثر من التهجّم على الجيش، وخصوصاً بعد عملياته الناجحة.
والوقت حان، تكراراً، للتوقف عن التصرّف كأن للآخرين حقوقاً علينا تتقدّم على حق لبنان في ان يمارس حقوقه كوطن ودولة.