بعيداً من السجالات القائمة حول ملابسات معركتي جرود عرسال، وجرود القاع ورأس بعلبك، والتي تنذر بخلق اجواء سياسية متوترة، داخل الحكومة، وعلى المستوى الشعبي، يمكن القول ان الجيش اللبناني انتصر في معركة الجرود، وان حدود لبنان الشرقية مع سوريا قد جرى ترسيمها بدماء الجنود الشهداء والجرحى، وان عصابة «داعش» لم تعد دمّلاً خبيثاً في خاصرة لبنان، ولكن الدولة اللبنانية، واعني هنا السلطة المدنية الحاكمة قد هزمت، لأنها اساءت ادارة المعركة، خصوصاً في مرحلتها الأخيرة.
الجيش، الملتزم بقيادته السياسية، قام بواجباته كاملاً، ودفع ضريبة التحرير بالدماء الغالية، ودحر التنظيم المجرم الذي كان بعبعاً يخشاه الجميع، لكن الهدف الثاني المهمّ الذي يترافق مع التحرير كان معرفة مصير 9 جنود لبنانيين. خطفهم «داعش» واخفى اخبارهم ومصيرهم، وكان مدير التوجيه في الجيش اللبناني العميد علي قانصو، اعلن في اكثر من مرة للصحافيين، ان الجيش لن يهادن «الداعشيين» وسوف يطاردهم حتى النهاية، فامّا ان يقتلهم او ان يستسلموا دون قيد او شرط، او ان يهربوا الى الداخل السوري.
الهدنة حصلت، والمعركة توقفت والمفاوضات بدأت من «داعش» وحزب الله وتبيّن ان مجرمي «داعش» ذبحوا اسراهم من عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي، ورموا جثثهم في حفرة بجرود عرسال، وهنا كانت المفاجأة السقطة، المسؤول عنها حتماً السلطة السياسية التي اذعنت للنتيجة ولم تأمر الجيش باستئناف معركته، طالما ان «داعش» اعترف بجريمة قتل الجنود الثمانية – ولم يعرف بعد ما هو مصير التاسع – وذلك لالقاء القبض على من قتل جنودنا الاسرى، وعلى من ارسل الانتحاريين الى القاع وبلدات اخرى، وقتل وجرح العشرات من المواطنين الابرياء، وسوقهم الى المحاكم او قتلهم ان هم قاوموا، حتى ولو طال القتل النساء والاطفال، لأنهم في نهاية الأمر، كلّهم داعشيون، وشاهدنا اكثر من امرأة وطفل يذبحون الابرياء ويحملون رؤوسهم بأيديهم.
الحرب ضد عصابة «داعش» والتنظيمات الارهابية الأخرى، لا تطبّق عليها قوانين احترام حقوق الانسان، التي تطبّق عادة بين دولة ودولة، فمن يذبح الاسرى ويغتصب النساء، ويأخذ من المدنيين دروعاً له، ويعدم الآخر المختلف عنه دينياً او سلوكاً، لا تجوز عليه الرحمة، ولا تطبّق قوانين الحرب، لقد اثبت هؤلاء انهم ليسوا من البشر.
ان منظر هؤلاء الوحوش وهم يغادرون الارض اللبنانية فرحين ضاحكين، انما هو منظر مقزز يدعو الى الغضب، خصوصاً بعد منظر انتشال جثث جنودنا من الحفرة.
هذه النهاية البشعة، سرقت النصر من عيون اللبنانيين ومن وجدانهم، كما سرقت الاعتزاز من شهدائنا السبعة، وجرحانا الذين قدّموا دماءهم على مذبح كرامة الوطن وسيادته وكرامة رفاقهم في الشهادة، والبذل والعطاء.
المجد والخلود والاحترام والتقدير، لشهداء الجيش والشعب امّا لأهل السلطة، فرسالة قصيرة، هل تناموا ملء جفونكم؟!