فتحت الانتصارات المدوية التي حققها الجيش في معركة جرود رأس بعلبك والقاع، الباب واسعاً أمام مرحلةٍ جديدة يُنتظر أن تترك تداعياتها المباشرة على الاستحقاقات التي ينتظرها البلد، بالنظر إلى الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي بعثت بها المؤسسة العسكرية، حيث برهنت عن إمكانات عسكرية ولوجيستية واستخباراتية كبيرة تمكنها من فرض نفسها مدافعاً أول عن السيادة اللبنانية، بحيث أثبتت أنها قادرة على القيام بهذه المهمة لوحدها ودون مساعدة أحد متى توفر لها الغطاء السياسي للقيام بدورها والدفاع عن الوطن في مواجهة المؤامرات التي تستهدفه.
وقد برز بوضوح من خلال سير العمليات العسكرية في الجرود التي قادها الجيش باقتدار وكفاءة قلّ نظيرهما، أن كل الذرائع والحجج على ضعف الجيش قد سقطت نهائياً، بعدما تمكنت الوحدات العسكرية من تنفيذ خططها باقتدارٍ وبأقل الخسائر البشرية الممكنة، ما مكنها حتى الآن من إحكام سيطرتها على أكثر من ثلثي المساحات التي كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» الإرهابي في الجرود، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن لدى الجيش الإمكانات التي تجعله قادراً على فرض سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية وحماية الحدود من الاعتداءات الإسرائيلية أو الإرهابية، وهذا يمكنه بالتأكيد من حمل لواء الدفاع عن الوطن بمفرده، بحيث أنه برهن عن مدى جهوزيته لمواجهة التهديدات التي مثّلها «داعش» وقبله «جبهة النصرة» في جرود عرسال، وهذا سيعطيه دفعاً قوياً وحازماً للمضي في تنفيذ خططه التي وضعها للقضاء على كل البؤر الإرهابية في كل المناطق لتنظيف لبنان منها، في ظل مؤازرة سياسية وشعبية واسعة، وهو ما مكّن المؤسسة العسكرية من القيام بدورها على أكمل وجه دون الحاجة إلى مساعدة أحد.
واستناداً إلى المجريات الميدانية، فإن الانتصارات التي حققها الجيش دحضت كل الأقاويل التي كانت تقول بأنه لن يتمكن لوحده من هذه المهمة، لا بل على العكس فإن المجريات كانت جليةً في إظهار مدى التطور الميداني الذي تميزت به الوحدات العسكرية في تطهيرها لجرود رأس بعلبك والقاع على مدى الأيام الثلاثة الماضية، حيث شهد الجميع للتفوق الميداني النوعي الذي تمكن الجيش من إنجازه في فترةٍ زمنية قصيرة، دون مشاركة أي طرف آخر وهو ما حرص الجيش عليه منذ بداية المعركة، كي لا يُقال بأن هناك أطرافاً عسكرية لبنانية شاركت في معارك الجيش ضد «داعش»، الأمر الذي كان سيتسبب بتبعات قد لا يكون للبنان قدرة على تحملها في الداخل والخارج، خاصةً وأن الأميركيين قد بعثوا برسائل إلى القيادتين السياسية والعسكرية في لبنان بأنهم لا يوافقون على مشاركة «حزب الله» في العمليات العسكرية إلى جانب الجيش اللبناني في مواجهة «داعش» وغيره من العصابات الإرهابية، وهذا ما أخذته قيادة الجيش بعين الاعتبار، كونها تحرص على بقاء العلاقات مع الولايات المتحدة متينة وراسخة، باعتبارها تتصدر الدول الغربية التي تقدم المساعدات العسكرية للجيش، وبالتالي ليس هناك مصلحة للمؤسسة العسكرية في افتعال أزمة مع الإدارة الأميركية في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان والتي تستدعي تضافر كل الجهود واستغلال الصداقات العربية والدولية التي تمكّن الجيش من الحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية التي تسمح له بحماية لبنان ودحر المنظمات الإرهابية والتكفيرية عن أراضيه، على غرار ما حصل على الحدود الشرقية، حيث استعادت السلطة اللبنانية سيادتها على هذه المناطق من سيطرة الإرهابيين الذين عاثوا فساداً على مدى سنوات، دون أن يتمكن أحد من التصدي لهم وجبههم وطردهم إلى خارج الحدود، إلى أن أخذ الجيش قراره وكانت له الكلمة الأولى والأخيرة في كل ما جرى.