«داعش» ينتقم لخسارته ويتحرّك في أوروبا بما هو مُتاح
يطوي لبنان عبر معركة «فجر الجرود» في جرود القاع ورأس بعلبك زمن الإرهاب الذي استحكم في مفاصل حياة القرى الحدودية وساكنيها منذ العام 2013 وحتى أيّام غير بعيدة. وقبل المعارك الحدودية، تمكّن لبنان بتعاون أجهزته الأمنية من فرض استقرار أمني صعُب معه على التنظيمات الإرهابية أن تتحرّك في الداخل وتنفّذ مخطّطاتها التفجيرية.
ثمّة من المراقبون من يرى أنّ لبنان فعل ما عجزت عنه دول كبيرة، متوقّفين عند العمليات الإرهابية الأخيرة في أوروبا، أكان عملية الدهس في ساحة «لارمبلا» في برشلونة، أو ما استجدّ في هولندا من إلغاء حفل موسيقي في مدينة روتردام بعد العثور على عبوات بنزين في شاحنة بالقرب من موقع الحفل.
ويشير هؤلاء المراقبين الى أن كلّ ما يجري في القارة العجوز التي فشلت منذ ثلاث سنوات الى الآن في حماية بلدانها من الهجمات الإرهابية المتأتية في أساسها من الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، سبقه مقاطع فيديو بثّها تنظيم «داعش» في الأسابيع الفائتة تدعو إلى شنّ هجمات حول العالم بكلّ ما توفّر من أساليب، وهذا ما يفسّر اللجوء الى عمليات الدهس التي لا تحتاج سوى الى شخص يستأجر شاحنة أو سيارة، ليرتكب جريمته بأبسط الوسائل، وهو ما حصل في كاتالونيا في برشلونة.
يربط المراقبون بين تضييق الخناق على تنظيم داعش في العراق وسوريا ولبنان وبين لجوئه الى التحرّك في أوروبا مستعينا بأشخاص غير مدرّبين لتنفيذ عمليات سهلة تهدف الى إيقاع عدد كبير من القتلى. ويتوقّفون عند العملية الأخيرة في إسبانيا، معتبرين أنّ اختيار هذا البلد جاء بعد الإجراءات الأمنية المكثّفة في باريس وضواحيها ومثيلاتها من العواصم الأوروبية التي سبق ان عانت من عمليات إرهابية، فإختيار برشلونة جاء كونها ساحة آمنة نسبيا لا تطبّق السلطات فيها الكثير من الإجراءات الأمنية الاحترازية، على عكس الحال في فرنسا حيث وضعت السلطات في شوارع العاصمة عوائق على عدد من الأرصفة لمنع عمليات الدهس.
وليس بعيدا ممّا يجري في أوروبا، التحرّك الذي تقوم بريطانيا -الخارجة من الاتحاد الأوروبي- على صعيد الوضع في ليبيا، والذي تجسّد بزيارة هي الثانية خلال عام لوزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون إلى طرابلس الغرب وقوله من هناك إنّها تمثل خطّ المواجهة الأول في حرب أوروبا ضدّ الإرهاب والهجرة غير الشرعية، في إشارة الى أهمية هذا البلد، الذي تعصف به التنظيمات الإرهابية، في تأمين استقرار أوروبا إذا ما استطاع المجتمع الدولي مساعدة طرابلس على إقامة نوع من السياج الإلكتروني على الحدود الجنوبية.
وإذا كانت ليبيا، في حال نعُمت بالاستقرار، بوابّة أمان الى أوروبا فإنّ مسار التسويات في المنطقة سيكون كفيلا بتعزيز الهدوء في القارة العجوز. وبنظر مراقبين، فإنّ لبنان سيلعب دورا كبيرا في المرحلة المقبلة وما يدلّ إلى ذلك الحركة الديبلوماسية الى بيروت التي استقبلت في الساعات الأخيرة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان سبقه مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين جابر الأنصاري الذي يمثّل إيران في محادثات الأستانة حول سوريا.
ويلفت هؤلاء المراقبون إلى أنّ هاتين الزيارتين تحملان في طيّاتهما دلائل واضحة على تغيّر المسارات في المنطقة نحو التسوية والترتيب السياسي للأزمات وبالتالي تحديد موقع لبنان في هذا المسار، وليست الإنتخابات النيابية المرتقبة في ربيع العام المقبل سوى محطّة أولى في هذا السياق، تتحدّد بموجبها عناوين عريضة تحت سقف تعزيز سلطة الدولة.