لم يستوعب بشار الأسد تداعيات عملية طوفان الأقصى والحرب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، وعملية المشاغلة اوالمساندة التي شنّها حزب الله ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، وتحولها إلى حرب واسعة طالت مناطق ومدن لبنانية بعيدة عن خطوط المواجهة المحتدمة، واغتيالات إسرائيلية استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية بطهران، في مربع حماية مشددة لضيوف المرشد، وبعده اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بالضاحية الجنوبية لبيروت، في مربع الحماية الشديد التحصين، مع قادة بارزين بالحزب، وبعده سقوط القائد البارز في حركة حماس يحيي السنوار في ميدان المواجهة العسكرية الدائرة بين الحركة وقوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة، على نظامه وموقعه على رأس النظام،واستمر في ابقاء سوريا ممراً، لعبور الإمدادات العسكرية والمعدات والاموال إلى حزب الله في الداخل اللبناني، بالرغم من كل التحذيرات العلنية والمبطنة لمخاطر هذا التصرف، الذي يعرضه شخصيا والنظام لمخاطر وتداعيات غير محسوبة.
اعتقد الرئيس السوري أنه بتخلفه عن المشاركة بالعمليات العسكرية من الحدود السورية المواجهة للجولان السوري المحتل من قبل العدو الاسرائيلي، قسراً او عمداً،عملاُ بوحدة الساحات، التي لطالما تباهى بها نصرالله امام جمهوره، لاظهار مدى قوة التحالف السوري الايراني وتوابعه في مواجهة معارضيه السياسيين بالداخل، كما إسرائيل ظاهرياً، مع الاستمرار بنفس الوضعية والعلاقة مع ايران، وصلة الوصل مع حزب الله، يستطيع التحايل وتحييد نفسه، والحفاظ على نظامه من مخاطر وتداعيات الحرب الإسرائيلية الدائرة في المنطقة، مع تجاهل تام لكل الدعوات والمناشدات العربية وغيرها، لوقف هذه السياسة، وفك ارتباطه مع النظام الايراني.
شكلت الاستهدافات الإسرائيلية المتواصلة لمخازن الذخيرة الايرانية المكدسة داخل سوريا، طوال العام الماضي، والضربة الإسرائيلية لمقر القنصلية الايرانية في دمشق بشهر نيسان الماضي ومقتل عدد من مسؤولي وضباط الحرس الثوري الايراني البارزين فيها، جرس إنذار لم يلتقطه بشار الاسد، وبقي مستمرا في التعاطي نفسه، وكأن شيئا لم يحدث، ولم يلتقط ردة فعل النظام الايراني الباهتة على الاستهداف الإسرائيلي لمقر القنصلية، كما على اغتيال هنية ونصرالله بعد ذلك، ومؤشراته الفاقعة على ضعف النظام وعدم قدرته على الرد بقوة رادعة ضد إسرائيل استنادا الى التهديدات التي يطلقها.
ارخت تداعيات استمرار ارتباط نظام الأسد بايران على الواقع الداخلي السوري، وساهم انغلاق النظام السوري على نفسه،جراءالعقوبات المفروضة عليه من الولايات المتحدةالأمريكية والغرب عموما، وتردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب السوري، جراء تلكؤ ايران في يد المساعدة المطلوبة، جراء سوء الاوضاع الاقتصادية والمالية في ايران نفسها، الى نقمة داخلية وتذمر واضح لدى المواطنين السوريين، من سوء اداء النظام، وعندما حصلت التحركات العسكرية للفصائل المعارضة، لوحظ بوضوح الالتفاف الشعبي من حولها، واستنكاف الجيش السوري عن مواجهتها كما حصل في العام ٢٠١١وبعدها.
مغزى انهيار نظام الاسد على النحو الذي حصل، وفي ثورة قد تسمى بالثورة البيضاء نسبيا، من دون سفك دماء كما يحصل عادة، او الثأر من الموالين وجوقة النظام الفاسدة والقمعية، تقديم نموذج مغاير لأسلوب النظام الديكتاتوري، واستقطاب كافة مكونات الشعب السوري حول الثورة، بينما ظهر تلكؤ ملحوظ من جانب روسيا، وعدم اهتمام، لمساندة نظام الاسد ومنع سقوطه، كما المرة السابقة، في حين بدت علامات الضعف والترهل واضحة، على النظام الايراني وعدم قدرته للتدخل ومد يد المساعدة، لابقاء سوريا ممرا للامداد بالسلاح والعتاد لحزب الله في لبنان،خلافا لكل التعهدات والوعود التي صدرت سابقا، بالتزامن مع استنكاف واضح من اذرع ايران في العراق او داخل سوريا، لدعمه عسكريا، مايعني ان زمان فاعلية وقوة ونفوذ النظام الايراني بالمنطقة، قد ضعفت كثيرا عما قبل، وهذا ينعكس على استمرار النظام مستقبلاً.