عرف لبنان خلال تاريخه الحديث العديد من الاغتيالات التي طالت شخصيات لها تأثير كبير على مجرى الأحداث السياسية، وأخرى لها دور ثقافي يولّد فكراً وطنياً وحركة تخالف مصالح وأهداف المتربصين بلبنان. إن سياسة الاغتيال الجسدي من الممكن أن تغير وضعاً ما لفترة من الزمن، أما الاغتيال الأخطر فهو ما نشهده في هذه المرحلة من تاريخ لبنان والذي ستبقى نتائجه مؤثرة في المستقبل القريب والبعيد. هذا الاغتيال هو مثلث الرأس ويطال الشعب اللبناني بأكمله. أولاً: اغتيال الحياة السياسية. بدأ هذا الاغتيال مع ضرب أبسط قواعد العمل السياسي، بدءاً بالاغتيالات الجسدية مروراً بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات على مدى دورات عديدة ووصولاً إلى فرض أمر واقع على اللبنانيين وتخطي الدستور بشكل متكرر وهو الضامن الأول والأخير لحياة سياسية متوازنة بين مختلف المكونات في لبنان. ويأتي تعطيل تشكيل الحكومة وقبله تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية كمثلين فاقعين على ما تقدم وتفصيلاً في سياق الاغتيال المستمر للحياة السياسية.
ثانياً: الاغتيال الاقتصادي. إن الوضع الاقتصادي المتردي الذي وصل إليه لبنان ليس غافلاً على أحد، وكل المؤشرات حتى باعتراف أهل السلطة تدل على كارثة اقتصادية متوقعة بتنا في موقع يصعب الإفلات منها. والإفلاس المالي الذي ينتج عن الانهيار الاقتصادي يولّد نتائج كارثية على الصعيدين الفردي والوطني، تبدأ بالبطالة وارتفاع معدل الفقر، إضافة إلى ارتفاع عدد الجرائم والهجرة ولا تقف عند الفساد وانهيار البنى التحتية وغيرها من النتائج السلبية بل تصل إلى حد إرضاخ الدولة اللبنانية والشعب اللبناني للقبول بقرارات تؤثر على حاضره ومستقبله وتُغير وجه لبنان وتربطه برغبات وأهداف دائنيه.
ثالثاً: الاغتيال التربوي والثقافي. هذا الاغتيال هو الأخطر لأنه بغياب قدرة اللبنانيين على الولوج إلى خدمات تربوية جيدة يفقد لبنان القدرة على إنتاج الطاقات والمنافسة في مختلف الحقول. إن إنتاج الطاقات البشرية والفكرية كان ميزة لبنان التي لم يفقدها حتى خلال الحرب. المصاعب الكبيرة التي يواجهها اللبنانيون بمعظم فئاتهم من حيث عدم القدرة على دفع الأقساط المدرسية والجامعية وكذلك عجز السلطات المعنية عن تلبية حقوق المعلمين ومتطلبات المدارس والتوفيق بين مصالح الأطراف المتنازعة حتى في ظل القوانين، تعكس مشكلة خطيرة تضرب مدماكاً أساسياً في الهيكل اللبناني يؤثر على مستقبل أجيال ووطن. فالإفلاس المالي من الممكن أن يُعوض لكن الإفلاس التربوي والثقافي يدمر مجتمعات وينتج إفلاساً من نوع آخر، أشد خطورة وضرراً.
هذه «الإغتيالات» الثلاثة، تنتج حالة نفسية محبطة لدى اللبنانيين تتمثل بفقدان الأمل. من لا يلمس هذا الشعور في محيطه القريب فهو يتعامى عن الحقيقة أو يكابر. في أحلك أيام الحرب لم يفقد اللبناني الأمل وكان دائماً يناضل ويعيد بناء ما تهدم ويتطلع إلى يوم تنتهي فيه الحرب ويصطلح البلد. أما اليوم فنحن ندرك أن ما يجب إصلاحه هو أكبر وأصعب وأهم بكثير من الحجر، فقد اغتالوا الأمل!
إعلامي لبناني