Site icon IMLebanon

نتنياهو مهجوس بالتصعيد .. ورسائل الردع تتنوَّع بين أميركا وحزب الله

 

إغتيال العاروري رسالة إسرائيلية إلى واشنطن ومحور الممانعة!

 

 

استحضر التصعيد المتدحرج بين إسرائيل وحزب الله، وآخر معالمه العملية الإسرائيلية الأمنية المركّبة في قلب الضاحية الجنوبية، تنادي عواصم القرار المعنية بالاستقرار على جنبيّ الحدود، ولا سيما واشنطن وباريس، من أجل تكثيف الجهود والمساعي لإبقاء سير التطورات العسكرية ضمن القوالب المضبوطة.

أتى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس صالح العاروري مباشرة في أعقاب ما عُدّ رسالة أميركية إلى تل أبيب تمثّلت بسحب واشنطن حاملة الطائرات جيرالد آر. فورد التي تم إرسالها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط لـ«المساهمة في الردع الإقليمي»، في أعقاب هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في 7 تشرين الأول. وستعود الحاملة إلى «مينائها الرئيسي (في الولايات المتحدة) كما هو مقرر للتحضير لعمليات النشر المستقبلية»، وفق بيان الأسطول السادس.

 

تبيّن، وفق المعطيات، أن تل أبيب حاولت ثني واشنطن عن قرار سحب حاملة الطائرات، ومن ثم طلبت توضيحات رسمية عن أسباب هذه الخطوة بعدما لم تجد تجاوبا. وهي اعتبرت أن ما قامت به واشنطن يصادف ظروفا لا تناسب اسرائيل، وقد يُفهم في لبنان وغزة على أنه استضعاف لقوتها الردعية. لذا ثمة من يعتقد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقصّد استفزاز واشنطن بتوقيت عملية اغتيال العاروري، وفي الوقت نفسه القول لحركة حماس وحزب الله إنّ قوة الردع لديه لم تتأثّر بما قامت به البحرية الأميركية.

لم يعد خافياً أن ثمة في تل أبيب من يعتقد بحتمية استثمار الظروف التي توفّرت لها بغرض استكمال تصفية الحساب المفتوح مع حزب الله منذ صيف الـ2006، هذه المرة بالخروج عن قاعدة الحرب الاستخبارية إلى رحاب حرب مكتملة العناصر. وتزكّي هذه النزعة العدائية الحشرة التي يجد نتنياهو نفسه فيها. إذ بات أسير التصعيد على أي من الجبهات القادر على ولوجها، ثمنا للتغطية على ارتكاباته التي ستؤول به حكما إلى التقاعد السياسي المبكر وإلى السجن، حال تضع الحرب في غزة أوزارها.

 

تدرك واشنطن هذا الواقع. لذا تجد نفسها مضطرّة لضغوط متسلسلة على نتنياهو من أجل نهيه عمّا يجول في باله وفي الرؤوس الحامية في الحكومة الإسرائيلية. وهي ضغوط تتوزّع بين الرباعي المعني بعلاقة اسرائيل بالمنطقة: وزير الدفاع لويد جيمس أوستن ووزير الخارجية أنطوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان والمستشار الرئاسي آموس هوكستين. وفيما بدأ بلينكن زيارة الى المنطقة لغرض تطويق تداعيات التصعيد الحاصل، سارع هوكستين إلى تل أبيب في زيارة مقتضبة استطاع خلالها انتزاع تعهد إسرائيلي بمنح الحل السياسي وقتا إضافيا قبل التفكير باللجوء إلى ما تريده تل أبيب تعتقد أنها ستؤول إلى استبعاد حزب الله عن المناطق الحدودية ما يؤمن مساحة آمنة لعودة الـ٨٠ ألفا الذين هجروا المستوطنات الحدودية منذ ٨ تشرين الأول.

فرنسياً، كان لافتا الإتصال الذي أجراه الرئيس إيمانويل ماكرون بعضو المجلس الأمني الإسرائيلي وزير الدفاع السابق بيني غانتس، لا بنتياهو، بغرض «تجنب أي نوع من المواقف التصعيدية، خصوصا في لبنان». ومعروف الطموح السياسي لغانتس، إلى جانب أن عواصم عدة تعتبره المؤهل الأول لخلافة نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، انطلاقا من وسطيته وبراغماتيته في محاورة الغرب في المشاريع التي ترسم لغزة بعد الحرب. وهو إن كان من دعاة السلام مع الفلسطينيين وتقديم تنازلات لهم مع الحفاظ على المصالح الأمنية لإسرائيل، غير أن علّته تكمن في رفضه ثنائية القومية في إسرائيل، بمعنى أنه لا يحبّذ حل الدولتين، وهو ما تعتبره واشنطن راهنا كلمة سرّ اليوم التالي للحرب في غزة.

يتبيّن من كل ذلك، أن واشنطن وباريس لا توفّران جهدا من أجل كبح الجماح الإسرائيلي من جهة، وتجنّب خروج حزب الله عن قواعد الاشتباك المحدّثة في ضوء التطورات الأخيرة جنوبا وفي عقر داره في الضاحية.

لكن ثمة مستجدّا آخر يتمثّل في موقف حزب الله نفسه. فخطاب أمينه العام السيد حسن نصر الله ينطوي على ما اصطُلح تسميته «التهديد الردعي». فالتلويح الصريح بحرب مفتوحة لا سقوف لها في حال أقدمت اسرائيل على ما ليس في الحسبان، يندرج حكما في سياق استراتيجية الردع الذي يعتبر الحزب أنه نجح في إرسائها في صراعه مع إسرائيل، ويعتقد انها السبب الرئيس في التهدئة جنوبا منذ حرب تموز 2006، تماما كما هي السبب الرئيس الذي يدفع تل أبيب إلى إبقاء تصعيدها ضمن الضوابط على الرغم مما ألحق بها الحزب من خسائر منذ فتحه جبهة الجنوب في 8 تشرين الأول 2023. لذا ظلّ قرار الحزب إحتوائيا وردعيا من ضمن القواعد القائمة، وكذلك سيأتي رده المتوقع على اغتيال العاروري.