شكّلت عملية إغتيال الشيخ صالح العاروري نجاحا مؤكدا لجهاز المخابرات الإسرائيلية، الموساد، وأتت العملية تنفيذا لتهديدات نتنياهو باستهداف قادة حماس أينما وجدوا، كما حدثت بعد تهديدات خصصتها إسرائيل للعاروري نفسه، وقد استدعى ذلك في وقتها، أن يرد السيد نصرالله على هذه التهديدات واعدا بالردّ عليها بقوة وحزم.
وقد طرحت هذه العملية سلسلة من المسائل والأسئلة والتحديات:
أولا- ان تقنية تنفيذ العملية أظهرت ان لدى إسرائيل أسلحة وتقنيات تستطيع من خلالها أن تقتل مسؤولي حماس دون تدمير البناية بأكملها، ودون أن تدمر منازل أخرى غير المنزل المستهدف، ولذلك فقد أكدت هذه العملية على المستوى التقني، ان قيام طيران العدو بتدمير الأبراج السكانية والمباني في غزة كان عملا، المقصود منه الانتقام الجماعي من الشعب الفلسطيني، والتمهيد للإجلاء القسري للسكان وتهجير المدنيين والشعب الفلسطيني، وليس استهداف حركة حماس فقط… وهو ما يكشف تعمّد جيش الاحتلال على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري للسكان…
ثانيا- أظهرت العملية ان حركة حماس ليست موجودة فقط في المخيمات الفلسطينية في لبنان فقط، بل تتمتع بحرية انتشار وحركة في مناطق نفوذ حزب الله ومقراته الأمنية، كما تتحرك بالتنسيق مع حزب الله على الحدود اللبنانية الجنوبية وتمارس أعمالا عسكرية عبرها، وهو أمر خطير، ويعيد لبنان الى ماضٍ انقضى ليصبح قاعدة انطلاق وتمركز للمنظمات الفلسطينية المتحالفة مع محور الممانعة.
ويصبح السؤال مشروعا من أعطى حماس وغيرها شرعية الوجود العسكري على أرض لبنان؟ في حين ان مقررات مؤتمرات الحوار الوطني هي نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات!!
فإذا كانت ذريعة حزب الله للحفاظ على سلاحه هي ما ورد في البيان الوزاري للحكومة، بحق اللبنانيين في الدفاع عن أرضهم ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، فان هذا البند حتى لو سلّمنا جدلا انه تبرير لوجود سلاح حزب الله، فإنه لا يمكن أن يبرر وجود أي سلاح أو تنظيمات مسلحة ممانعة أخرى، سواء كانت فلسطينية أو إيرانية أو يمنية أو عراقية، وان حق المقاومة فيما لو استمر قائما بحكم الأمر الواقع، هو حق لبناني، ولا يمكن أن يتمدد ليصبح حقا لأي طرف من أطراف الممانعة، وعلى الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني أن يتصرفوا على هذا الأساس.
ثالثا- طاولت عملية الاغتيال مفصلا أساسيا في العلاقة الإيرانية بحماس، يدير علاقة إيران بحماس وحزب الله، وتمّت في بيت حزب الله ومربعه الأمني، وتزامنت مع عمليات أخرى باغتيال أحد كبار رجال الحرس الثوري الإيراني رضا الموسوي في دمشق، وتفجير جموع المعزين في احتفال ذكرى مقتل الجنرال سليماني في مدينة كرمان الإيرانية، ويرجّح ان إسرائيل ورائها جميعا…
ويظهر من خلال ذلك كله ان نتنياهو يحاول جرّ أميركا وإيران الى حرب واسعة إقليمية، لكن الإدارة الأميركية تدرك هدف نتنياهو، وهي لن تنجر الى توسيع حرب ضد إيران على الأرجح، كذلك إيران، فإنها لا ترغب بحرب مفتوحة قد تواجه فيها أميركا. ولذلك سيبقى سقف التعاطي الإيراني بمستوى منخفض من التوتر، حاكما سلوك حزب الله وبقية الأذرع الإيرانية في الإقليم.
ويهدف التصعيد الإسرائيلي الاستفزازي المتصاعد، بحدّه الأدنى، الى إعادة طرح أمن المستوطنات على حدود الكيان الشمالية والسعي لترتيبات وتعديلات تطال اجراءات تنفيذ القرار الدولي ١٧٠١، بحيث تضمن عدم حدوث «طوفان أقصى آخر» من الحدود اللبنانية ويقوم به حزب الله، كما يهدف التصعيد بحدّه الأعلى الى إستدراج انفلات مواجهة اقليمية مفتوحة على إيران ومحورها بأكمله، وتخلق هذه المعادلة مأزقا حقيقيا لحزب الله حيث يتقلب الحزب مرتبكا بين الالتزام بسقف توتر منخفض تتبنّاه إيران وتفرضه على أذرعها في الاقليم، وبين تصاعد الاستفزازات الإسرائيلية المستمرة.
وعلى الرغم من ان الحوثيين قد قاموا بعرقلة الحركة البحرية في باب المندب، وهي خطوة مؤثرة على خطوط التجارة العالمية، فان حل هذه المسألة والتفاوض حولها، سيضمن لإيران مقعدا مشاركا بقية الأطراف من أجل رسم توازنات المنطقة.
رابعا- تشكّل العملية محطة هامة من انتقال المواجهة بين حماس وجيش الاحتلال الى مرحلة أشيع انها تسمّى المرحلة الثالثة، وهي مرحلة شكل الانتقال إليها موضع خلاف عميق بين المستوى السياسي في حكومة اليمين برئاسة نتنياهو، وبين المستوى العسكري أي الجيش والأجهزة الأمنية، والذي انفجر خلافا داخل مجلس الحرب الإسرائيلي، كما شكّل هذا الانتقال موضوع خلاف بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية.
أما مواصفات المواجهة في المرحلة الثالثة فمطلوب فيها، كما طلبت أميركا مرارا، تخفيض الخسائر المدنية لدى الفلسطينيين وعدم الافراط بدمار العمران المديني أو متابعة تهجير السكان أو استهداف المدارس والمستشفيات، والتركيز على عمليات جراحية تستهدف حركة حماس وكوادرها وبنيتها، وتأتي الرغبة الأميركية الساعية لأسباب سياسية وأخلاقية، الى تهدئة الحملة العالمية لمواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية ووقفها على المدنيين في غزة، متوافقة مع سعي قيادة جيش الاحتلال وأجهزة المخابرات من موساد وشاباك، للإنتقال الى هذه المرحلة، بعد ان ظهر ان الحملة البرية على غزة تتعثر يوم بعد يوم وترتفع كلفتها البشرية، وتستطيل مدة انجاز مهامها، والتي يصرّ عليها المستوى السياسي في حكومة اليمين لدوافع ايديولوجية وعنصرية، من أجل اقتلاع السكان والترانسفير الى سيناء.
خامسا- ما لا تعترف به حماس أو حتى تدركه هو ان الرأي العام العالمي الذي عبّر عن إدانته للحرب المجنونة على غزة، كان موقفه انتصارا وانحيازا لأطفال فلسطين وقضيتها العادلة ولم يكن تأييدا لحماس وعقيدتها وأفكارها ومبادئها، وإذا ما نجحت إسرائيل في فصل حربها ضد الشعب الفلسطيني عن حربها ضد حماس نظريا وعمليا، فان إسرائيل تستطيع أن تستمر في عمليات الاغتيال وتصفية مسؤولين في حماس وفي بلدان الممانعة ولن تلقى معارضة تذكر، بل قد تلقى تشجيعا وحتى تواطؤً على كل مستوى… ولعل هذا الأمر يشكّل احدى التحديات الأساسية التي على حركة حماس أن تجد حلا لها.