Site icon IMLebanon

إغتيال العاروري: شعرة تفصل بين الإنفجار والانفراج

 

خَرَق اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» الشيخ صالح العاروري «الستاتيكو» الذي كان قائماً على «جبهة المساندة»، من دون التثبت من انّها مسّت «قواعد الاشتباك» المعمول بها في الجنوب منذ 88 يوماً. واياً كانت ردّة فعل «حماس»، من المنطق انتظار ردّة فعل «حزب الله»، طالما انّها نُفّذت في «قلب البيت». وعليه، توسّعت مروحة التوقعات المتناقضة إلى أن قيل إنّها في منزلة الشعرة الفاصلة بين الانفراج والإنفجار. ومع توقع انّ الردّ مؤجّل الى حين، بقي السؤال عمّا تعنيه العملية وما سيكون بعدها؟

 

لم يكن اغتيال العاروري عملاً مفاجئاً لدى كثير من الأوساط السياسية والديبلوماسية والأمنية، فالرجل تطارده اسرائيل منذ سنوات عدة، ومطلوب لدى اكثر من جهاز استخباري، ولا سيما الاميركي. ويُقال انّه «قرأ الشهادتين على روحه» اكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة منذ سنوات عدة، بعدما نجا من أكثر من محاولة غير تلك التي أدّت الى مقتله أول من أمس ومعه عدد من رفاق السلاح، في مرحلة هي الأدق على لائحة المحطات الدموية الجارية في ظلّ المواجهة الكبرى على أرض غزة ومناطق السلطة الفلسطينية وبقية الاراضي المحتلة والساحات المساندة لها وتلك التقليدية.

وفي قراءة أولية للمشهد المتعدد الوجوه العسكرية والسياسية والديبلوماسية، فقد نُفّذت عملية الاغتيال فيما كان قادة المنطقة يبحثون عن المخارج المحتملة لما يجري على ساحاتها، عقب القرار الاميركي بسحب حاملة الطائرات «يو آس آس جيرالد فورد» من حوض المتوسط، والحديث عن سحب مجموعة من الالوية القتالية الاسرائيلية من قطاع غزة وإعادة الانتشار التي أوحت بها الإدارتان الاميركية والاسرائيلية تحت عنوان تخفيف العمليات العسكرية في القطاع، كمحطة تقود الى نوع من عمليات نوعية يمكن القيام بها لتخفيف حجم الخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بالجيش الاسرائيلي وتراجع هيبته وقدراته القتالية في حسم المعارك بالسرعة الممكنة، التي عكستها معظم الحروب الإسرائيلية – العربية والاسرائيلية ـ الفلسطينية. وبعدما جهدت القيادة العسكرية لتحقيق اي انتصار ولو بالحدّ الأدنى مما أُعلن عنه من اهداف، والتي حدّدتها عند اتخاذ القرار بالاجتياح البري لقطاع غزة في 7 تشرين الأول الماضي، ولا سيما منها تلك التي قالت بقتل قادة «حماس» في القطاع قبل ان تتطور الامور أخيراً وصولاً الى القرار المعلن، عندما طلب بنيامين نتنياهو من اجهزة الاستخبارات المتعددة ملاحقة قادتها أينما وجدوا في المنطقة والعالم.

 

لا تقف هذه القراءة عند هذه العناوين المتداولة على اكثر من شفة ولسان، ذلك انّ للعملية أهدافاً ومرامي متعددة تتعداها في حدّ ذاتها، خصوصاً انّها تلبّي مطالب قيادات وحكومات دولية، وفي مقدّمها الولايات المتحدة الاميركية التي تخوض مواجهة غير معلنة وصريحة مع تل أبيب. ولم يعد سراً الحديث عن مجموعة المواقف المتناقضة في تسلسل زمني يعود الى الأيام الأولى من الحرب، إن احتُسبت أنّها بدأت مساء 7 تشرين الاول الماضي بعد ساعات على عملية «طوفان الأقصى»، وقبل ان ينخرط «حزب الله» في المواجهة صباح اليوم التالي في عمليات عسكرية مباشرة انطلقت من الجانب اللبناني ومن طرف واحد في اتجاه مواقع الاحتلال في مثلث شبعا وتلال كفرشوبا، قبل ان يسبغ عليها عند امتدادها على مساحة المواجهة الحدودية الممتدة من القطاع الغربي حتى اقصى القطاع الشرقي، صفة «جبهة المساندة» دعماً للمقاومة الفلسطينية في الاراضي المحتلة وقطاع غزة و»الجهاد على طريق القدس».

 

وبناءً على هذه المعادلة وما تحتمله من تفسيرات مختلفة، يمكن النظر الى عملية اغتيال العاروري على أنّها محطة مهمّة لا يمكن تجاهل مؤثراتها في المواجهة المفتوحة على شتى الاحتمالات، في ظل الفشل في التوصل الى وقف ثابت ونهائي لإطلاق النار، ولا إمكانية تجديد العمل بفكرة «الهدنة الانسانية» التي تسمح بمعالجة خطوات تلامس الوضع الاجتماعي والإنساني والغذائي والطبي الكارثي في القطاع وعودة عدد من الأسرى العسكريين والمدنيين الاسرائيليين لدى «حماس» وزميلاتها، وإطلاق ما يمكن اطلاقه من السجون الاسرائيلية، هو ما تلمّسته الإتصالات الكثيفة بعدما فُتحت الخطوط الحمر بين واشنطن وباريس وتل أبيب وبيروت والدوحة والقاهرة وأنقرة مجدداً، عقب العملية، وهو ما أتاح إمكانية معاينة مستقبل الوضع في فلسطين والمنطقة والتي يمكن الاشارة اليها بالآتي منها:

 

– اختيار اسرائيل العاروري وكأنّه خيار اميركي قبل ان يكون خياراً لها. وقد شكّل رداً على ملاحظاتها تجاه ما يجري في القطاع، بعدما خرجت تناقضاتها في معظمها الى العلن في تصريحات متبادلة بين الوزراء الاميركيين والاسرائيليين بطريقة لا تخلو من الجدّية والقساوة.

 

– اختارت اسرائيل لبنان اولاً، والضاحية الجنوبية لبيروت تحديدًا، في تنفيذ برنامج اغتيالاتها الخارجية على اساس انّه النقطة الأضعف من بين العواصم التي تؤوي قيادات «حماس»، لاستحالة القيام بعمليات مماثلة في انقرة او في الدوحة في مثل الظروف الحالية، وللتأكيد أن ليس حتى في الضاحية ما هو مستحيل.

 

– إظهار الجدّية في تنفيذ هذا القرار بعملية معقّدة وشديدة الدقّة والخطورة، على اساس انّ قراراتها لا يمكن ان تبقى حبراً على ورق، في محاولة لاستعادة بعض من هيبتها وإثبات قوتها على خرق حصون الاعداء.

 

– رفع نسبة التحدّي في المواجهة مع «حزب الله» تحت سقف «قواعد الاشتباك» من دون الخوف من أي ردّ فعل، على اساس انّ عملية بيت ياحون التي ذهب ضحيتها خمسة من قياديي المقاومة لم تلق اي ردّ فعل استثنائي، ومن بعدها اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني رضي الموسوي في سوريا.

 

وقياساً على هذه الملاحظات وغيرها التي لا يمكن الاشارة اليها الآن، فإنّ ردّات الفعل المنتظرة في غزة والضفة الغربية كانت عادية ومتوقعة لما للعاروري من تاريخ وحضور سابق فيهما، بما فيها الاضراب المفتوح امس في مختلف أرجاء الضفة. وان انتظر المراقبون ردّ فعل الحزب، وقبل ان يقول الامين العام للحزب كلمته مساء أمس، فإنّ عدم حصول ما يتجاوز العمليات اليومية على الحدود الجنوبية، فليس من المتوقع ان يكون الردّ سريعاً ويُحتسب على لائحة الردود المنتظرة التي لم تأتِ بعد على سلسلة من العمليات التي جرت في لبنان وسوريا والعراق منذ اغتيال اللواء قاسم سليماني في بغداد والخبراء النوويين في ايران، وغيرها من العمليات النوعية التي اعترفت بها اسرائيل او لم تعترف بها حتى اليوم.

تبقى الاشارة اخيراً الى انّ المراقبين ينتظرون ما سيكون عليه الموقف الاميركي، الذي وإن بُني على الإعلان الصريح عن مسؤولية اسرائيل عن العلمية محاولة لإرضاء غرور رئيس حكومتها بأنّه أنجز هدفاً كبيراً من أهداف عملية «السيوف الحديدية» وخصوصاً بعد تظهير أصدقائه والأعداء عن قصد او غير قصد دور العاروري الكبير في التخطيط والتحضير وتنفيذ عملية «طوفان الأقصى» لعلها تروي عطش نتنياهو الى الدم فتنقلب العملية بسحر ساحر من بوابة الى «الإنفجار الكبير» لتشكّل ضوءاً في النفق الطويل نحو نوع من «الانفراج المرتقب» لعلها تفتح كوة في جدار الأزمة الصلب لترطيب المواقف وتسهيل إنزال نتنياهو من سقفه العالي للتلاقي على ما يمكن تنفيذه في المجال السياسي، وعندها تكون المنطقة قد تقدّمت الخطوة الأولى نحو الحل، فعناصره متوافرة متى توافرت الإرادة السياسية.