لبنان فوق راْسه «خيمة». لولا ذلك كان في جحيم حروب أين منها الحرب الأهلية. كل الأسباب موجودة لانزلاق لبنان واللبنانيين في جحيم يماثل أو يزيد عن سوريا. المجتمع الدولي، خصوصاً فرنسا والارجح الفاتيكان، أقام «الخيمة» التي حمته حتى الآن. ربما تضاف الى ذلك رغبات وأحياناً إرادات إقليمية لحمايته ومنع انزلاقه.
الخوف من أن تنتج الحرب، تهجيراً واسعاً وتغييراً ديموغرافياً ليس بين محافظاته كما حصل في السابق وإنما مع الحزام الجغرافي من جهة، وعلى مساحة أوروبا الغربية وصولاً الى الولايات المتحدة الأميركية. المسيحيون سيكونون الضحية الكبرى. الخوف على آخر وطن للمسيحيين في الشرق، هو الذي يخيف الغرب والفاتيكان. وقوع هذه الجريمة – الكارثة، حصّن لبنان، ما رفع منسوب تعزيز الحصانة ان العالم بدأ يخاف من موجات النزوح اذا ما وقع التغيير الديموغرافي، لأن ذلك سيقيم كيانات لنسميها رمزياً: شيعستان وسنّستان، وحيث ستكون مهما بلغت مساحتها وعدد تجمعاتها السكانية، قنابل من الاحقاد المتبادلة من جهة ومن جهة أخرى ضد العالم خصوصاً ضد الغرب بكل مكوناته، مما سيعرّضه لحملات ارهابية يكون ما يقوم به «داعش» و»القاعدة» كما يقال في المثل الشعبي «لعب أولاد صغار». لكن الى متى يحمي هذا الخوف لبنان طالما ان «شعوبه» تلعب بالنار وهي تقف على حافة النار؟
اغتيال لبنان، يجري بتصميم رغم إرادة المجتمع الدولي بحمايته. «الشعوب» اللبنانية شريكة في ذلك بنِسَب متفاوتة وأحيانا كبيرة. منذ أكثر من عامين ولبنان في «غرفة العناية الفائقة». احياناً يصل الى حالة «الوفاة السريرية» ثم ينجو. لا توجد دولة في العالم تعيش في فراغ رئاسي وشلل مؤسساتي كما لبنان. كل يوم إضافي من هذا الفراغ، تكون مفاعيله تخفيف «الأوكسجين» الذي يعينه على العيش، ومع ذلك لا حلّ. يقال إن الخلاف السعودي – الإيراني يعمّق الأزمة، ويمنع الحل، فهل ينتظر لبنان حلّ الخلاف حتى يعود الى حياته الطبيعية؟ يجب الانتظار طويلاً طالما إن ايران – خامنئي تهجم، بتوجيه وقيادة المرشد آية الله علي خامنئي الذي «يستمد قراراته من الوحي الالهي» والسعودية تدافع عن نفسها ومحيطها.
لبنان لا يملك النفط ولا المصانع الضخمة ولا زراعة واسعة ومحمية من المنافسة والفرق الهائل بين سعر كلفتها وأسعار إنتاجها، ولا حتى الكهرباء التي تكفي استهلاك المواطنين لأكثر من ساعات. لبنان يملك افراداً طموحين، من يحصل على فرصة يغادره، وهو، أو كان، يتمتع بمواقع سياحية غنية طبيعياً وبإمكانات ومواهب قادرة على العطاء، وصحافة ضخت فيها كفاءات صحفية واموال عربية وغير عربية فحوّلت لبنان الى «سوق عكاظ» عربي متنوع وغني، أصبح الجميع بحاجة إلى منابر تنشر مواقفه وأيديولوجياته وحتى «حروبه» ، وقطاع مصرفي أمّن له مع قانون السرية ان يكون «خزانة وممراً« لأموال المنطقة.
لبنان هذا يكاد ينتهي. نظرة طيارة الى أسواقه خصوصاً وسط بيروت منه، تؤكد ان المقفل من متاجره اكثر من المفتوح منها. ما ساهم في ذلك قرار باغتيال قطاع واسع منه خصوصاً في الوسط التجاري بهدف تركيع شريحة واسعة من اللبنانيين. تضخم أعداد الشباب الساعين إلى الهجرة من دون أمل الحصول على الفيزا (بعض اسبابها مذهبية وهي خاطئة. محاصرة «حزب الله» أنتجت عملياً استبعاد طائفة بكاملها ولا داعي للدخول في التفاصيل فالوقائع يومية)، كل هذا يعمّق اليأس ويقذف بأعداد كبيرة منهم الى شراك التطرّف بكل أنواعه. اما الصحافة فحدّث ولا حرج، فهي تحتضر ببطء لأسباب تتعلق بخصوصية هذا القطاع اضافة الى أسباب خارجية بعضها يعود إلى أن من كان بحاجة إلى هذه الصحافة أصبح ينتج مثلها وأفضل، وأخيراً لشح بالأموال المستثمرة فيها وهذه لها حديث آخر. وأما السياحة فيكفي إن العرب لا يأتون لتقدير بقاء هذا القطاع الغني على قيد الحياة.
أخيراً القطاع المصرفي الذي جاء تفجير بنك «بلوم»، ليؤكد أنه يجري اغتيال لبنان بـ»القطنة»، (أي حسب المثل الإيراني، ببطء وصبر حتى يُذبح وريده وتسيل دماؤه من دون أن يشعر باقتراب الموت منه). ومن دون مقدمات فالانفجار كان «رسالة» واضحة العنوان. يستطيع «حزب الله» ان ينفي اي دور له في التفجير، وأن يصرخ عالياً بوجود مؤامرة ضده تهدف خنقه، ولكن يبقى السؤال الكبير: لماذا لم يترك الحزب اي إمكانية حتى لا يُتّهم بهذه الجريمة التي ستقضي على لبنان ولقمة عيش اللبنانيين؟ في الامر إما استقواء لم يعد يصرف في اي مجال، أو عمى ألوان، أو حتى غباء لا تفسير له!.
لماذا سمح «حزب الله»، أو تغاضى، عن إعلامييه (المحترفين والدخلاء) وحتى جمهوره، في التمهيد لاتهامه المباشر، والادلة والوقائع اكثر من أن تحصى خصوصاً أن السيد حسن كان قد طمأن جمهوره أن العقوبات المصرفية الاميركية لا تعني الحزب فإذا بها تعنيه الى درجة الاختناق! لماذا هدّد وتوعد ولو من موقع الرفض، المصارف التي نفذت قراراً لا يمكنها أن لا تنفذه، لأن الأكبر منها والمسنودة من دولها مثلB.N.B الفرنسي (دفع لواشنطن تسعة مليارات دولار لأنه تعامل سراً مع إيران وكوبا والسودان رغم قرار المقاطعة) وبنوك اخرى؟.
اغتيال القطاع المصرفي اللبناني يُفقر كل اللبنانيين، وكل أموال ايران لن تنفع لأنها ايضاً بحاجة إلى تمويل اقتصادها الذي يعاني الحاجة الى السيولة. تفجير مصرف «بلوم» سهّل ويسهّل اتهام الحزب بالإرهاب. نفي هذه التهمة ليست مسؤولية احد غيره.
اغتيال لبنان، بـ»القطنة» أو قذفه الى الجحيم، هو واحد. في النهاية لن تكون حصة «حزب الله»، اذا مات لبنان سوى فتات الفتات، كل الأطراف والقوى التي يلعب معها أكبر وأقوى منه بما لا يوصف!