Site icon IMLebanon

كيف سينعكس اغتيال سليماني على الواقع الاقتصادي اللبناني؟

 

 

نزل خبر اغتيال قائد فيـلق القدس الجنرال قاســم سليماني كالصاعقة على اللبنانيين بغض النظــر عن انتماءاتهم السياسية.

 

وكان فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد دان العملية مُعزّيًا الدولتين العراقية والإيرانــية وكـذلك فعـلــت وزارة الخارجية اللبنانية.

 

هذه العملية أظهرت إلى العلن مخاوف من تداعيات سلبية لها على الساحة اللبنانية خصوصًا التداعيات الاقتصادية مع ما تحمله المرحلة المُقـبلة من تحــديات وعــلى رأسها الحصار الاقتصادي الغربي غير المُعلن على لبنان.

 

هذا المقال هو مقال اقتصادي، إلا أن التأثير السياسي في الشق الاقتصادي يفرض الأخذ بعين الاعتبار عددًا من السيناريوهات ذات الطابع السياسي والتي تفرض نفسها على الواقع الاقتصادي.

 

} ردّ حزب الله }

 

سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي نعى سليماني، قال ان «القصاص العادل… سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم». وهذا يعني أن حزب الله يحتفظ بالردّ على هذه العملية في الوقت والمكان اللذين يراهما مناسبين مع الأخذ بعين الإعتبار أن الردّ سيكون عسكريًا كما تفرضه قواعد لعبة التوازن. هذا الأمر يقترح عدداً من السيناريوهات كلها مُرتبطة بالبعدين الزماني والمكاني.

 

رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لم ولا يخفي نيته ضرب إيران وهو الذي شجّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال لقائهما في شباط 2017 (بحسب وكالة بلومبرغ) على استخدام القوّة ضد إيران إلا أن الرئيس ترامب فضّل آنذاك العقوبات الاقتصادية كأداة ذات فعالية كبيرة. لذا يُطرح السؤال عمّا إذا كان حزب الله يعتبر أن إسرائيل شريكة في التخطيط أو التنفيذ لهذه العملية؟ في الواقع الجواب عن هذا السؤال أساسي لمعرفة تطوّر الأمور اقتصاديًا في لبنان.

 

فجواب بالإيجاب يعني أن المكان تمّ تحديده وهو ضمن نطاق الكيان العبري. لذا يبقى الزمان وهو العامل المجهول! ردّ فوري على هذه العملية يعني أن هناك احتمالاً لفتح جبهة بين لبنان وإسرائيل وهو قد يكون توقيتًا غير ملائم للحكومة التي ستبصر النور في الساعات أو الأيام القادمة بحسب المُعطيات الصحافية.

 

هذه الحكومة التي ستواجه تحدّيات اقتصادية ومالية، تحتاج إلى استقرار أمني وسياسي للقيام بالإصلاحات اللازمة لامتصاص تداعيات الأزمة الحالية وتحفيز النمو الاقتصادي خصوصًا أن الاستحقاقات المالية للدوّلة اللبنانية والتي تفوق الرقمين، غير مؤمّنة بالكامل وبالتالي هناك إلزامية المُعالجة.

 

لذا، باعتقادنا، أن ردّ المقاومة على العملية الأميركية لن يكون في الأشهر الأولى لولادة الحكومة نظرًا لحساسية الواقع الاقتصادي والمالي والنقدي والمصرفي.

 

إلا أنه من المُحتمل أيضًا أن يكون هناك تأثير سلبي للعملية الأميركية في مسار تشكيل الحكومة وقد يؤخّر ولادتها، مما يعني أن الخسائر الاقتصادية والمالية ستتراكم وستكون هناك استحالة لاحقًا للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية بدون دعم خارجي خصوصًا من صندوق النقد الدولي.

 

عمليًا، تأخير تشكيل الحكومة أو تشكيلها مع بدء مواجهة (محدودة) مع العدو الإسرائيلي ستكون له تداعيات سلبية نذكر منها:

 

أولا- إستمرار التراجع الاقتصادي إلى مستويات قد تُقفل معها العديد من الشركات التي تعتمد على الاستيراد. وهذا الأمر سيكون له تأثير على صعيد البطالة ولكن أيضًا على صعيد توافر السلع التي يتمّ استيرادها مما سيؤدّي إلى تراجع اجتماعي كبير يتمثّل بزيادة نسبة الفقر في لبنان وزيادة نسبة الفقر المُدقع.

 

ثانيًا- إستفحال أزمة المالية العامة مع إيرادات أقلّ بـ 40% مما كانت عليه الإيرادات في الأعوام السابقة (في أحسن حال) مما يعني عجز الدولة عن دفع استحقاقات الدين العام والإنفاق العام. وهذا الأمر سيفرض ضغوطات على مصرف لبنان وعلى القطاع المصرفي لن يكون من السهل تحمّلها لفترة طويلة.

 

ثالثًا- إستفحال أزمة دولار الصيرفة إلى مستويات قد تكون مطلوبة خارجيًا للضغط على القرار السياسي اللبناني. وهذا الأمر ستكون له تداعيات إجتماعية سلبية من ناحية انخفاض القدرة الشرائية للمواطن اللبناني وبالتالي التخلّي عن استهلاك العديد من السلع غير الأساسية.

 

رابعًا- إستفحال أزمة السيولة إلى مستويات قد تؤدّي إلى إضطرابات أمنية خصوصًا مع أحقّية مطالبة المودعين بودائعهم! وهذا الأمر إن حصل ستكون له تداعيات كارثية.

 

} عدوان إسرائيلي جديد }

 

العدو الإسرائيلي وفور إعلان نبأ اغتيال سليماني، قام باستنفار جنوده على الحدود مع لبنان. وهذا الأمر يأتي بحسب تصريحات العدو، تحسبًا لأي عملية انتقامية من قبل حزب الله على إسرائيل. وهنا تظهر خشية من أن يكون هناك عدوان (مفتوح) إسرائيلي جديد على لبنان شبيه بعدوان تموز 2006 حيث سيقوم العدو الإسرائيلي ضمن خطّة قد تكون أوسع (تشمل سوريا ولبنان) بقصف البنى التحتية في لبنان ووقف الحياة الاقتصادية مما سيؤدّي إلى زيادة الخسائر على لبنان بشكل كبير قد لا ينهض على اثرها لبنان إلا بمساعدات دولية شبيهة بالمساعدات التي تلقاها في مؤتمر ستوكهولم في آب 2006.

 

الجدير ذكره أنه وعقب عدوان تموز 2006، كانت الدولة اللبنانية بحاجة إلى أموال غير مرصودة في الموازنة لتغطية قسم من الإنفاق المُستجد آنذاك. وهو ما دفع إلى تأسيس نهج مالي ينص على الإنفاق من خارج الموازنة بواسطة اعتمادات يوافق عليها المجلس النيابي، وهذا ما رفع الدين العام من 38.5 مليار دولار أميركي إلى المستويات التي نشهدها اليوم.

 

إلا أن ما يجب لحظه أن ما كانت تقوم به الحكومات آنذاك أصبح شبه مستحيل اليوم خصوصًا أن وضع المالية العامة لم يعد يسمح بأي اعتمادات من خارج الموازنة.

 

على كل الأحوال، هناك شبه تأكيد أن النمو الاقتصادي في العام 2020 سيكون سلبيًا (إنكماش)، إلا أن حجم هذا الانكماش يبقى رهن التطوّرات السلبية.

 

مما تقدّم نرى أن عملية اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني لها تأثيرات سلبية في الواقع الاقتصادي اللبناني ولا يُمكن التخفيف من تداعياتها السلبية إلا بنظرة حكمة من قبل حزب الله.