IMLebanon

اغتيال وسام عيد انتقام من العدالة 

«ذبيح بلا جرم كأن قميصه صبيغ بماء الأرجوان حضيب» (الشافعي عن اغتيال الحسين)

في مهرجان يوم القدس سنة ، وبعد بضعة أشهر من اغتيال رفيق الحريري، وبعد أن استعرض حرسه الثوري بمختلف تشكيلاته، قال حسن نصر الله، في جملة ما قاله، إن قضية اغتيال رفيق الحريري يجب أن تخرج من التداول كقضية حق عام سياسي ووطني، وأن تحصر في أولياء الدم! يعني أن تتحول قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان في قلب بيروت، وضمن مؤامرة إرهابية كبرى، إلى قضية حق شخصي محصورة في ورثته!

لا شك أن حسن نصر الله كان قد نام والإبتسامة تعلو وجهه بعد أن زار قريطم بعد بضعة أيام من يوم شباط ، مقدماً واجب العزاء لعائلة «صديقه»، «الداعم الصادق للمقاومة» بعد أن سدت أبواب التعزية في وجه النظام السوري وأتباعه، لكونهم المتهمين المنطقيين بارتكاب الجريمة.

إطمئنان حسن نصر الله كان لحرارة استقبال آل الحريري له، ولتأكيدهم الإستمرار على النهج الذي خطه الوالد الشهيد. وللأمانة، فقد حرص ورثة رفيق الحريري ومن آل البيت ومن السياسيين الأقرب، على حفظ ظهر «حزب الله« وتحييده عن المشاركة في الجريمة لأسباب اساسها الثقة بأن الحزب «لا يمكن أن يورط نفسه في جريمة من هذا النوع؟!» وقد تعرض كل من شكك بهذه الفرضية، أو حتى تعرض ولو بلوم لطيف لحزب الله، وكان من ضمن صفوف تيار «المستقبل«، لمساءلة وحتى لتأنيب من قبل أركان التيار.

في لقاء مع نواب من كتلة المستقبل في آذار حضرتها شخصيا، قال لنا حسن نصر الله ممازحاً، بأن مخابرات النظام السوري فاشلة لدرجة أنها غير قادرة على القيام بعملية دقيقة وعالية التنظيم مثل عملية اغتيال رفيق الحريري، مشيراً إلى أنه يجب علينا الشك بأن قوة أكثر خبرة وتنظيماً هي من قامت بهذه المهمة.

في ظل كل ذاك العمى السياسي الذي أصبنا به في تلك الأيام العصيبة، كان ضابط في قوى الأمن يعمل بصمت خارج أطر الشعبوية السياسية والإتهامات الفارغة المضمون. عاد إلى العلم والبحث وعمل على تفكيك متاهة شبكة الإتصالات بشكل متجرد ومن دون معرفة مسبقة بلائحة المتهمين. وبما أنه لا توجد جريمة كاملة، فقد لعب عامل الصدف ونزق أحد المتهمين «الكازانوفي»، إلى الإمساك بأول الخيوط التي أدّت إلى مصطفى بدر الدين.

وحتى عندها لم يقصد وسام عيد إتهام «حزب الله«، لقد قام فقط بواجبه الوظيفي مدفوعاً في الوقت ذاته بإحساس بظلامة اغتيال رفيق الحريري. كان هدفه فقط كشف المجرم، وبالتالي تبرئة المتهمين ظلماً.

حتى عندما تمت مصارحة سعد الحريري بالوقائع الصاعقة، ظن بأن جهازاً تابعاً للمخابرات السورية اخترق حزب الله وقام بالجريمة لحساب بشار الأسد من دون علم حسن نصر الله. فكان الخيار مصارحة الحزب مباشرة بما وصلت إليه قضية الإتصالات ولكن طبعاً من دون ذكر اسم وسام عيد.

فجأة، ومن دون مقدمات، جرت محاولة اغتيال مسؤول فرع المعلومات المقدم سمير شحادة في الرميلة في الخامس من أيلول في غمرة السجال حول إنشاء المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري، لقد أتت تلك المحاولة يومها لمعاقبة المسؤولين عن كشف قضية الإتصالات، وعلى الأرجح لإرهاب المؤسسة وافرادها وضباطها لدفعهم إلى التوقف على الإيغال في كشف الحقائق.

وعندما لم يؤد ذلك إلى وقف التحقيق، ولا إلى ثني الحكومة عن ملاحقة قضية المحكمة، اغتيل وسام عيد في الخامس والعشرين من كانون الثاني سنة ، يومها كانت قضية تورط «حزب الله« تتظهر إلى العلن من خلال تقارير صحفية ومن خلال العناد الشرس الذي مارسه هذا الحزب لوقف مسار المحكمة.

لم يكن لدى وسام عيد نيات مبيتة لاستهداف حزب الله لا على أسس سياسية ولا أمنية ولا مذهبية، وحسب علمي فقد كان لحسن نصر الله وحزبه احترام كبير في عائلة الشهيد وقريته، وحتى ضمن الأكثرية في طائفته. كان هدف وسام عيد خدمة الحقيقة وتحقيق العدالة، ولا أظن أن من قتله كان يعتقد أنه يمكن أن يقتل معه المعلومات التي وصل إليها وأصبحت بكاملها لدى المحكمة الدولية، لكن بعض الأحزاب تتصرف بما يشبه المافيا، تقتل أحياناً بقرار بارد لإزاحة العوائق أمام مشاريعها كما حدث لرفيق الحريري، وأحياناً انتقاماً وأحياناً أخرى لإرهاب من بقي على قيد الحياة. هذه هي منظومة الإجرام العقائدي الذي يمثل «حزب الله« أحد وجوهها.

() عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»