Site icon IMLebanon

اغتيال صحافة لبنان.. من خلال جبران

في ذكرى جبران تويني الذي اغتيل قبل أحد عشر عاماً، لم تعد من حاجة الى التذكير بأنّ لا وجود لأسرار في لبنان وخارجه، خصوصاً في ما يتعلّق بالجهة التي تقف وراء القتل والتفجيرات. المطلوب كان دائماً وفي كلّ وقت التخلص من شخصيات لبنانية معيّنة بهدف الانتهاء من المؤسسات اللبنانية كلّها. يقوم لبنان على مجموعة من المؤسسات العامة والخاصة لا بدّ من القضاء عليها بغية إبقائه تحت الوصاية ومنع بروز أي شخصية قادرة على لعب دور في مجال تأكيد وحدة البلد وإثبات قدرته على الصمود في وجه العواصف.

لا حاجة الى أسئلة من أيّ نوع. معروف من اغتال جبران. معروف أكثر لماذا اغتيل جبران. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع إلقاء نظرة على جريدة «النهار» في وضعها الصعب الراهن، بعد كلّ هذا العزّ والتألّق الذي كانت ترمز اليه لبنانياً وعربياً. اغتيل جبران من أجل وصول «النهار» الى ما وصلت اليه ومن أجل اغتيال الصحافة اللبنانية. كلّ ما يمكن قوله حالياً، في مناسبة مرور أحد عشر عاماً على تفجير سيارة جبران تويني في أثناء انتقاله من منزله في بيت مري الى مقر «النهار» في بيروت، إنّ أزمة الصحافة اللبنانية لم تعد تقتصر على «النهار» التي حلّ ما حلّ بها. هناك إعلان صريح صدر عن جريدة «السفير» يتحدّث عن إغلاقها مع حلول نهاية السنة الحالية، أي بعد ثلاثة أسابيع تقريباً.

على الرغم من أنّه لا يمكن المقارنة بين أزمة «النهار» وأزمة «السفير»، إلّا أنّهما أزمتان في أزمة واحدة هي أزمة الصحافة اللبنانية. ما لا يمكن تجاهله أنّ الحملة على الصحافة اللبنانية تستهدف في نهاية المطاف إسكات بيروت. فبغض النظر عن الخطّ السياسي لـ»السفير»، الذي يمكن أن تكون هناك اعتراضات كثيرة عليه، لا مفرّ من الاعتراف أنّ الصحيفة كانت مشغولة بطريقة جيدة تنمّ عن حرفية متقدّمة.

يتبيّن بوضوح، ليس بعده وضوح، بعد أحد عشر عاماً على اغتيال جبران تويني أنّ الهدف من التخلص منه يتجاوز «النهار». كان الهدف كلّ صحيفة في لبنان. لا شيء يحدث بالصدفة في البلد. كل اغتيال مدروس ويصب في مخطط لم يعد خافياً على أحد. يتلخص هذا المخطط بعبارة نشر البؤس في لبنان. من مطار بيروت الى آخر مؤسسة ناجحة فيه، أكانت هذه المؤسسة مصرفية أو تجارية أو شركة طيران أو على علاقة بالسياحة والفن والأدب.

قبل جبران تويني، اغتيل سمير قصير الذي تجرأ على النظام الأمني ولعب دوراً محورياً في إنجاح «ثورة الأرز» التي قادت الى إخراج القوات السورية من لبنان.!

لكلّ شهيد من شهداء «ثورة الأرز» قصة. يجمع بين كلّ الذين اغتيلوا أنّهم كانوا في خدمة لبنان المطلوب التخلّص منه وتغيير طبيعته وتغييب بيروت. لم يكن مستغرباً أن تلي حملة الاغتيالات والتفجيرات حروب من نوع حرب صيف 2006 وحرب مخيّم نهر البارد واعتصامات في وسط بيروت من أجل تعطيل الحياة فيه وتهجير أكبر عدد من الشباب اللبناني الى الخارج. لم يكن مستغرباً أن تحصل غزوة بيروت والجبل في أيّار ـــ مايو 2008 من أجل بث الرعب في صفوف السنّة والدروز. هناك حلقات مترابطة تستهدف الوصول الى إزالة لبنان من خريطة الشرق الأوسط والعالم بعدما أعادها اليه رفيق الحريري ولا أحد آخر غير رفيق الحريري.

بفضل رفيق الحريري صمدت «النهار»، التي أجبر بشّار الأسد رفيق الحريري على التخلي عن أسهمه فيها. بفضل رفيق الحريري، صار لـ»النهار» مبنى شامخ في وسط بيروت. وبفضل رفيق الحريري، عاد العرب الى لبنان، خصوصاً أهل الخليج وذلك للتمتع بأمور كثيرة من بينها قراءة «النهار«.

تندرج الأزمة التي تعاني منها الصحف اللبنانية كلّها في أيامنا هذه، في سياق السلسلة المترابطة من الجرائم التي تستهدف لبنان. بين هذه الجرائم تأخير انتخاب رئيس للجمهورية مدة سنتين ونصف السنة بغية العبور الى «المؤتمر التأسيسي». لم ينجح الفريق الذي يقف وراء تلك الجريمة هذه المرّة. قد ينجح في المرّة الأخرى. من يدري؟

في السنة 2016، تعدّت الأزمة «النهار» وما تمثّله وما بلغته من هبوط في أيامنا هذه. فمن خلال جبران تويني، اغتيل جزء من لبنان. نعم، مع جبران صاحب القسم المشهور، سقط جزء من لبنان. هذا الجزء هو الصحافة اللبنانية التي تقف حالياً عند مفترق طرق. لم يكن جبران يمثّل «النهار» وما تمثّله بيروتياً ولبنانياً. كان جبران كلّ الصحافة اللبنانية. كان «النهار» وكان الذين ينافسون «النهار» في الوقت ذاته…