Site icon IMLebanon

ماذا يجري داخل نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان؟

 

إستقالات وعودة عن بعضها… وانتخابات وطعون

 

 

في تموز الماضي، زعزعت مجموعة استقالات جماعية عمل مجلس نقابة خبراء المحاسبة المجازين في لبنان. أما الإنتخابات التي شهدتها النقابة مؤخّراً، فلم تنهِ الجدل القائم بين الأعضاء المستقيلين والنقيب عفيف شرارة. المستقيلون سبق وتقدّموا بطلب وقْف الانتخابات إلى كل من قضاء العجلة ومجلس شورى الدولة، لكنه رُدّ. والأنظار تتّجه الآن إلى احتمال الطعن في صحة الآلية، لا بل في العملية الإنتخابية برمّتها.

 

 

 

في التفاصيل، استفاقت النقابة صباح 13 تموز الماضي على مجموعة استقالات تقدّم بها ستة من أعضاء مجلس النقابة العشرة، وهُم: ألفرد نعمه؛ محمد بليق؛ جيزيل عبدو؛ محمود مزهر؛ نبيل غيث؛ وجمال مدهون. بعدها، ما لبث مزهر أن تراجع عن استقالته، وحذا حذوه مدهون ليعود ويتقدّم باستقالته مجدّداً… ويتراجع عنها ثانيةً. الاستقالات جاءت تزامناً مع تطوّرين: طلب النقيب شرارة سحْب مندوب النقابة في اتّحاد المحاسبين والمراجعين العرب؛ والمؤتمر الذي عقده استنكاراً لاستدعاء النقيب السابق، جينا شمّاس، إلى التحقيق. وفي حين عزت مصادر مطّلعة دوافع الاستقالات إلى هذين الحدثين (وما رافقهما من ضغط سياسي)، أكّدت مصادر أخرى أن آداء النقيب وتفرّده في اتخاذ بعض القرارات هما المسبّب. نحاول أن نعرف أكثر.

المستقيلون يطعنون

 

البداية مع العضو المستقيل وأمين الصندوق التقاعدي، الخبير نبيل غيث، الذي شدّد في حديث لـ»نداء الوطن» على أن لا أسباب سياسية وراء استقالته، إنما مهنية بحتة. «بالرغم من أن المرجعية الطائفية التي أنتمي إليها لم توافق على استقالتي، إلّا أنني تمسّكت بها كوني من الذين لا يساومون. قد تكون استقالات البعض مبنية بجزء منها على انتماءات سياسية، أما أنا فلا». فما هي الدوافع إذاً؟ بحسب غيث، مجلس النقابة محكوم من بعض المحيطين بالنقيب وقد تمّ الاعتراض على هذا الواقع مراراً وتكراراً. ويضيف: «منذ دخولنا إلى المجلس ونحن حريصون على نزع الثوب السياسي عنّا وإبقائه خارجاً، حتى وصلت الأمور إلى إسقاط بعض الموظفين المعلّبين الجاهزين بالـ»باراشوت». علماً بأننا طالبنا عدّة مرات بوضع آلية واضحة للعمل من دون أي استجابة».

 

غيث لفت إلى أنها المرّة الأولى التي يطغى فيها عنصر الشباب على أعضاء مجلس النقابة، مع ما يحمله ذلك من توجهات شبابية تختلف بجوهرها عن سابقاتها. «الأخطر هو ما كان يُثار في الغرف السوداء من محاولات لشلّ النقابات في لبنان تحضيراً لشلّ البلد بأكمله. لذا تردّدنا كثيراً قبل تقديم الاستقالات، لكن التعاطي بتعنّت وعنجهية أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه». استقالة الأعضاء الستة جاءت بعد اعتكافهم لمرّتين متتاليتين مطلع العام الحالي. أما الهدف، فكان حلّ المجلس النقابي كلياً ليُصار إلى انتخاب آخر. فهل نفهم من ذلك أن المستقيلين يصرّون على اعتبار الأعضاء الجدد المنتخبين مكانهم غير شرعيين؟ «نعم، سنتقدّم هذا الأسبوع بشكوى نطعن فيها بالانتخابات، لكننا ما زلنا نبحث عن الجهة المخوّلة البتّ بقضايا مماثلة»، كما يختم غيث.

والمنتخَبون… إلى العمل سر

 

ونتابع. فبعد بروز الاستقالات، دعا النقيب شرارة إلى انتخاب أعضاء جدد بدلاً من المستقيلين، ما قوبل باعتراض شديد من قِبَل هؤلاء باعتبار أن مجلس النقابة أصبح منحلّاً ما يستوجب انتخاب مجلس جديد. عندها، تقدّموا بشكوى أمام قضاء العجلة مطالِبين بإلزام النقيب دعوة مجلس النقابة لمناقشة بند الاستقالة يليها دعوة للانتخابات، وهو الطلب الذي ردّه القضاء. وكخطوة ثانية، توجّهوا إلى كل من محكمة الاستئناف ومجلس شورى الدولة لطلب إلغاء الدعوة لانتخاب أعضاء جدد باعتبارها غير قانونية، فرُدّ الطلب من الجهتين أيضاً. وهكذا، جرت الانتخابات طبقاً للأصول في الثالث عشر من الشهر الحالي، حيث تقدّم 14 مرشحاً، لينسحب منهم ثلاثة ويفوز أربعة: شربل الشدياق؛ بشرى البشير؛ جورجينا أبو ناضر؛ ومصطفى الديب. وبعد صدور النتائج، جرى قبول استقالة العضو جمال مدهون ليحلّ مكانه أول الخاسرين، الخبير إيلي عون.

 

مدهون أشار، من جهته، في دردشة مع «نداء الوطن» إلى أن النقابة بخير رغم الظروف التي مرّت بها، وأن الانتخابات أصبحت من الماضي. أما بالنسبة للمعترضين على سير عمل الجمعية العمومية التي قامت بواجبها، فعليهم مراجعة القضاء المختصّ. أول الفائزين، الخبير شربل الشدياق، جزم لنا بدوره أن الحقّ يقع دوماً، وبِنسب متفاوتة، على طرفَي النزاع. وعن سؤال حول أسباب ترشّحه، أجاب: «أنظر إلى النقابة كنقابة، لا كأشخاص. أنا مرشّح دائم منذ العام 2016 ولديّ حيثيّتي التي تبلورت في عدد الأصوات التي حصدتها. كما كنت رئيس لجنة العلاقات العامة وشاركت في أكثر من لجنة خلال المجالس السابقة وأعمالنا هي التي تتكلّم عنّا». وختم ذاكراً أبرز الملفات التي يتمنّى طرحها – ملف التدقيق الجنائي – حيث كان يجب اختيار النقابة لتشكيل لجنة من خيرة خبرائها للقيام بمهمة التدقيق بدلاً من الشركة الأجنبية.

إيجابية وأهداف مشترَكة

 

محطتنا التالية مع العضو المنتخب وعضو لجنة التعاون مع الجامعات، إيلي عون. فقد نوّه في حديث لـ»نداء الوطن» بكون النقيب شرارة أول نقيب يعمل على خلْق لجان داخل النقابة: لجنة التعاون مع الضمان الاجتماعي، لجنة التعاون مع الجامعات، لجنة التعاون مع المالية ولجنة التعاون مع نقابة خبراء المحاسبة في فرنسا، وغيرها. «ضميرياً، وأثناء العمل النقابي والتحضير للمؤتمرات واللقاءات مع الجامعات، لم ألحظ أي خلل في أداء سعادة النقيب. فهو لم يتفرّد يوماً برأيه إنما يعود دوماً إلى أهل الاختصاص». وإذ أعرب عون عن تفاجئه بالاستقالات التي هدفت إلى حلّ المجلس – وهذا ما حصل سابقاً في عهد النقيبين موفّق اليافي وجينا شمّاس – أردف قائلاً إن ترشّحه جاء إيماناً منه بالعمل النقابي، بما أن مجلس شورى الدولة شرّع الانتخابات، كما أن الأحزاب لا تملك حق المعارضة والمقاطعة، رغم أنها وُجدت لممارسة العمل السياسي وكأساس لانتظام العمل الطائفي.

 

نسأل إن كان ثمة تصوّر جديد يحمله الأعضاء الجدد، فيجيب: «لِنفترض أن النقابة تقاعست في مكان ما، فهل يكون الحلّ في فرط عقدها؟ طبعاً لا. لقد عقدنا أول اجتماع لنا الأسبوع الماضي وكان جوّ النقاش منطقياً وحضارياً بين تأييد ومعارضة. ولايتنا قصيرة تنتهي في تموز 2024 وهي غير كافية خصوصاً وأن النقابة معطَّلة منذ أربعة أشهر. لكن رغم التحديات، نحاول التصدّي للملفات التي تخلق تغييراً إيجابياً فعلياً وأهمّها المكننة والعلاقة مع الجامعات». فالنَفَس الإيجابي الذي يتحلّى به الأعضاء السابقون كما الجدد، ومحاولة إثبات القدرة على الاستمرار والعمل الدؤوب رغم معارضة الكتل الرئيسية، كما يقول، هو ما يجمع حالياً أعضاء مجلس النقابة حول أهدافهم المشتركة.

التمسّك بالنَص

 

في زيارة للنقيب شرارة في مكتبه، يخبرنا بأن النقابة تشمل شرائح مختلفة من المجتمع اللبناني حيث يتأثر الأعضاء كلّ ببيئته. «لقد نتج عن النظام السياسي المعتمَد غياب الانتماء المهني والوطني وهما أساس العمل النقابي. وبعد مرور سنة على الانطلاقة المميّزة للمجلس، جاءت استقالة الأعضاء الستة على خلفية إصراري كنقيب على وضْع بندٍ على جدول الأعمال لغرض المناقشة داخل المجلس، كون قانون تنظيم المهنة والنظام الداخلي للنقابة يمنحانني الصلاحية الكاملة. لكن بعض الأعضاء فضّلوا الاستقالة على مناقشة البند». شرارة لم يستبعد أن يكون للضغوطات السياسية دورٌ، على خلفية طلب سحْب مندوب الاتحاد. «ما أستطيع تأكيده هو عدم اعتراض أي من الزملاء يوماً على أداء المجلس، وعدم تسجيل أي اعتراض في المحاضر، علماً بأننا كنا نحرص على مناقشة كافة المواضيع والتصويت عليها بالأكثرية»، كما يضيف.

 

بالنسبة لمطالبة الأعضاء المستقيلين بوجوب انتخاب مجلس جديد، شرح شرارة أنهم (أي المستقيلون) قاموا بتسجيل كتاب استقالتهم في البريد الوارد في 18 تموز دون حضور أي جلسة من بعدها لقراءة الاستقالة وتدوينها في المحضر بحسب تسلسل ورودها. وفي 11 و15 أيلول تراجع اثنان من المستقيلين، تباعاً، عن قرارهما فاجتمع المجلس في 15 أيلول بحضور ستة أعضاء (4 غير مستقيلين و2 سبق وتراجعا عن استقالتهما) وقرّر قبول استقالة الأعضاء الأربعة والدعوة لانتخاب بدلاء. «النص سيّد الأحكام، إذ يمكن العودة عن الاستقالة قبل البتّ بها وقراءتها في مجلس النقابة. بعدها عاود أحد الزملاء الاستقالة، فاجتمع المجلس الجديد بعد انتخابه وسجّل الاستقالة مستدعياً أول الخاسرين في الانتخابات للحلول مكانه».

 

تغييب… لا غياب

 

أيّاً تكن الخلافات الداخلية، يبقى العمل النقابي، ودور خبراء المحاسبة تحديداً، مرتكزاً أساسياً لمعالجة ملفات مفصلية كثيرة، ليس أقلّها ملف التدقيق الجنائي. في هذا السياق، أسف شرارة لتغييب النقابة (وليس غيابها) دون معرفة الأسباب. «لقد أصرّت الحكومة على مخالفة القانون حين لزّمت التدقيق الجنائي لشركات أجنبية دون إشراك نقابتنا بحسب نص قانون تنظيم المهنة. لقد عمدت إلى زيارة كافة الجهات الرسمية المعنيّة، مطالباً باحترام دور النقابة وواضعاً نفسي والزملاء بالتصرّف دون مقابل كاستشاريين، وبأتعاب رمزية لقاء أعمال التدقيق التنفيذية، لكن دون جدوى».

 

ليس هذا فحسب. إذ نسمع من شرارة أنه وجّه كتباً خطية لكل من رئيس مجلس النواب ورئيس لجنة المال والموازنة لحضور جلسات مناقشة الموازنة، إضافة إلى كتاب خطيّ لرئيس الحكومة لمشاركة أعضاء من النقابة في اللجان التي تدرس هيكلية المصارف، ومناقشة خطط النهوض الاقتصادي. كما طالب وزارة المالية بضرورة تطبيق البروتوكول الموقَّع بينها وبين النقابة. لكن القوى السياسية والسلطة التنفيذية تتمادى في إبعاد واستبعاد النقابة عن الأدوار المنوطة بها، من وجهة نظره.

 

ليس ثمة جدلٌ حيال الكفاءات والخبرات التي تزخر بها النقابة. فخبراؤها يُستعان بهم لتنفيذ دراسات اقتصادية ومالية في دول عدة، عربية وأجنبية. لكن اللعبة السياسية، على الطريقة اللبنانية، تفعل فعلها كعادتها، تغييباً وتكبيلاً… وربّما استقالات.