الأجواء لا تشجع الحريري على التدخُّل بعد رفع حدة المواجهة على خط «المرسوم»
الصراع على الصلاحيات يحتدم ويكشف عمق الخلاف بين عون وبرّي
مع اشتداد الأزمة على خط «بعبدا» – «عين التينة»، على خلفية مرسوم الأقدمية، كما هو في الظاهر، انحسرت الآمال على ما يبدو بإمكانية إحداث خرق في الجدار المسدود، بما يفضي إلى إعادة الأمور إلى طبيعتها بين الرئاستين الأولى والثانية، خاصةً مع غياب الوساطات التي كثر الحديث عنها، حيث لم يزر رئيس الحكومة سعد الحريري بعد «عين التينة»، للبحث مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في تداعيات الأزمة وسبل معالجتها، وهو الأمر الذي رأت فيه أوساط سياسية مراقبة كما أبلغت «اللواء»، تصعيداً للتداعيات المترتبة عن احتدام السجال بين الرئاستين الأولى والثانية، بشأن الموقف من مرسوم الأقدمية الذي ينذر بمزيدٍ من المضاعفات على صعيد العلاقات بين المؤسسات الدستورية، واضعاً البلد أمام منعطف سياسي بالغ الدقة، في حال لم تنجح الاتصالات والمشاورات في نزع فتيل التوتر وإخراج هذه الأزمة من عنق الزجاجة، وبما يحمي البلد والتسوية القائمة مع دخول العهد سنته الثانية، بهدف تمكينه من تحقيق الإنجازات التي وعد بها.
وقد بدا بوضوح أن الخلاف الدائر بين الرئيسين عون وبري يتخطى قضية المرسوم إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، وهو ما أكدته البيانات الإعلامية الصادرة عن الرئاستين الأولى والثانية، بحيث يُستدل على أن الصراع على الصلاحيات هو العنوان الأساسي لهذا الخلاف الذي يرمي في أبعاده إلى محاولات تحجيم متبادلة، مع ما يتصل منها بالانتخابات النيابية وتشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب والمداورة بينها، وهذا ما لم يعد خافياً على أحد، في ظل إصرار الرئيسين عون وبري على موقفيهما ورفضهما التنازل عما يعتبرانه حقوقاً دستورية لهما، الأمر الذي فاقم الأزمة وأفشل الوساطات التي جرت لتقريب المسافات وطي صفحة الخلاف. وهذا الأمر لن يشجع الرئيس الحريري بالتأكيد على القيام بمهمته الإنقاذية، باعتبار أن المؤشرات المتوافرة لا تمكّنه من النجاح في الدور الذي سيقوم به، حيث أن كل طرف مقتنع بما يقوم به ولن يتنازل للآخر، ما يعني أن القضية مرشحة لمزيدٍ من التعقيد والتصعيد في آن، وهذا الأمر ستصيب شظاياه الحكومة وتعرضها للتعطيل والشلل في حال أخذ الرئيس بري موقفاً بسحب وزيريه، أو دعوتهما إلى تعليق مشاركتهما في مجلس الوزراء، بالتوازي مع مخاوف جدية من تحريك الشارع، كوجه آخر من وجوه هذا الصراع المستحكم بين بعبدا و«عين التينة»، حيث ظهر الأمر جلياً في ملف الكهرباء الذي لا يزال مادة خلافية بامتياز بين حركة «أمل» و«التيار الوطني الحر»، بالرغم من الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه في الساعات الماضية لمعالجة موضوع إضراب العاملين في شركة الكهرباء.
وتبدي في هذا الإطار مصادر نيابية بارزة، لـ«اللواء»، خشيتها على التسوية القائمة إذا لم يتم تدارك التداعيات المرتقبة عن الخلاف المتصاعد بين الرئيسين عون وبري، بعد ارتفاع حدة السجال على نحوٍ يزيد القلق على مصير البلد والاستحقاقات المقبلة، في حال لم تتحرك الوساطات جدياً لردم الهوة التي تكبر بين مقامي الرئاستين، الأمر الذي يتطلب تحركاً سريعاً من جانب الرئيس الحريري لترطيب الأجواء وإعادة فتح قنوات الحوار، بهدف إيجاد المخرج الملائم لقضية المرسوم وحل هذه الإشكالية التي تهدد التسوية السياسية في البلد وتضع الجميع أمام الحائط المسدود، إذا لم يبادروا إلى وضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار، انطلاقاً من الحرص على تحصين مسيرة العهد وتوفير المناخات الملائمة التي تسمح لها بالاستمرار في أداء المهام المطلوبة منها، وتحديداً في ما يتصل بتنفيذ خطاب القسم وبيان الحكومة الوزاري، وهي مهام لا يمكن الاستهانة بها وضمان تحقيقها، إلا في ظل أجواء وفاق سياسي داخل الحكومة وخارجها، بعيداً من سياسة الاستقواء والعناد التي لا يمكن أن تساعد أبداً في ترسيخ دعائم الاستقرار في البلد وتفعيل عمل المؤسسات والاستجابة لمطالب الناس الحياتية والاجتماعية، إضافةً إلى توطيد علاقات لبنان العربية والدولية، بعد التراجع الذي أصابها في المدة الأخيرة، وهو استحقاق بالغ الأهمية يجب التعامل معه بكثير من المسؤولية.