IMLebanon

الهجوم على السعودية… أبعادُه وخلفيّاته وأهدافه

الهجوم المدروس والمبرمج الذي يقوده «حزب الله» على المملكة العربية السعودية لا يمكن أن يكون مجرد ردّ فعل على «عاصفة الحزم»، بل له أهدافه وخلفيّاته وأبعاده التي تتمحور حول مسألة محددة وهي تحويل دور السعودية من دور جامع إلى دور خلافي في لبنان والمنطقة.

تعتقد إيران أنها بإعلان الحرب السياسية على السعودية مباشرة أو مداورة من خلال «حزب الله» تقطع الطريق عليها بمَنعها من رعاية أيّ حل في المنطقة بدءاً من اليمن وصولاً إلى سوريا ولبنان. فالهجوم على السعودية لا يستهدف فقط انخراطها العسكري في اليمن والسعي لإيقافه واقتصاره على هذه الدولة، بل يشمل دورها السياسي الإقليمي تحديداً، خصوصاً مع «عاصفة الحزم» التي زادت فعاليته وقوته وتأثيره.

فالرسالة التي وجّهها السيّد نصرالله فحواها رفض أيّ حل يمني وعراقي وسوري ولبناني وفلسطيني برعاية سعودية، وبالتالي أراد قبل الانتهاء من الملف النووي في حزيران والدخول في المفاوضات السياسية ربط نزاع مع الرياض كل ملفات المنطقة فيها، وإبلاغ واشنطن سلفاً رفض أيّ حلول برعاية سعودية.

وهذا الكلام إذا ما تمّ إسقاطه محلياً يقود إلى الاستنتاج الآتي:

أولاً، رفض أيّ تسوية أو حلّ على طريقة اتفاق الطائف. وإذا كانت موازين القوى غير مساعدة على عقد مؤتمر لبناني في طهران على غرار الاتفاق الثلاثي في دمشق، فإنّ محور الممانعة يفضّل واشنطن وباريس ولندن على الرياض.

ثانياً، مساواة السعودية بإيران لجهة التعامل بالمِثل، فإمّا الإقرار والتسليم بدورهما معاً في لبنان، أو رفض الصورة السابقة التي تصوّر الرياض داعمة لاستقرار لبنان وطهران ضد هذا الاستقرار.

ثالثاً، جَعل النظرة إلى السعودية كالنظرة إلى المحكمة الدولية، بمعنى قضية انقسامية.

رابعاً، التشكيك بمساعداتها للبنان وصولاً إلى محاولة تجميدها ووَقفها، لأنه إذا كانت المعارك الناجحة التي يخوضها الجيش اليوم ضد التكفيريين تتقاطع مع مصالح «حزب الله»، علماً أنّ الجيش يخوضها بأجندة لبنانية فقط لا غير، فالحزب لا يريد أن يتسلّح الجيش بأسلحة حديثة ومتطورة ليس خشية من الاصطدام معه، لأنّ هذا الموضوع غير مطروح على الإطلاق، بل تلافياً للسؤال القديم-الجديد عن دور «المقاومة» في ظل الجهوزية العسكرية اللبنانية، فضلاً عن أنّ الجيش اللبناني ما قبل مواجهته للإرهاب هو غير ما بعده.

خامساً، الكلام المذهبي للسيّد نصرالله هدفه إعطاء الانطباع بأنّ الصراع السني-الشيعي هو أحد أوجه الأزمة في المنطقة، وبالتالي استبعاد أيّ تسوية لا تأخذ المطالب الشيعية في الاعتبار.

سادساً، دعوة واشنطن إلى رعاية تسوية بين الرياض وطهران.

سابعاً، محاولة تحييد تركيا ومصر وباكستان عن السعودية، وبالتالي اللعب على التناقضات العربية-العربية والسنية-السنية.

ثامناً، القول لواشنطن إنّ إيران أفضل من السعودية، واستطراداً الشيعة أفضل من السنّة.

فالهدف الأساس إذاً لمعركة إيران-»حزب الله» مع السعودية هو شيطنتها وأسرَلتها وأمْرَكتها، ولكن ما كان ينطبق على واشنطن وتل أبيب لا ينسحب على الرياض، وإذا كان نجح في معاركه مع أميركا وإسرائيل في حشد تأييد عربي-إسلامي خَلفه لأسباب مبررة ومفهومة، ففي مواجهته مع السعودية يتحوّل إلى مكوّن شيعي بأهداف مذهبية مجرّدة من أيّ بُعد قومي أو عربي أو وطني.

ويجب أن يكون «حزب الله» قد اتّعظ من مواجهته الأخيرة بأنه لم ينجح في استقطاب أيّ صوت سنّي وازِن إلى جانبه، بل أخطأ في هذه المواجهة، لأنه اذا كان الخيار لدى السنّة بينه وبين «داعش» ضد الطرفين، فإنّ الشارع السنّي بسواده الأكبر هو مع السعودية.

ولا يستطيع السيّد نصرالله وضع السعودية وإيران في الميزان نفسه، والتمييز بينهما هو من معيار دولي قبل أي شيء آخر، حيث أنّ طهران متهمة بالخروج عن الشرعية الدولية، وهي باتفاقها النووي تحاول العودة إلى الحاضنة الدولية التي لن تكتمل عودتها إلّا بعد التأكد من «برنامجها الإقليمي» ودعمها للشرعيات في الدول العربية لا الميليشيات.

فالسعودية في لبنان تدعم الدولة اللبنانية وتساعدها في شتى المجالات، ومساواتها مع إيران غير ممكنة ولا مقبولة قبل أن توقِف دعمها العسكري والمادي لـ«حزب الله» وتدفعه إلى تسليم سلاحه والانخراط في مشروع الدولة. ولا مصلحة للحزب في الذهاب أبعد من ذلك في المواجهة مع السعودية لبنانياً، ليس لأنه سيكون وحيداً في هذه المواجهة، بل لأنه سيفجّر الحكومة والحوار والاستقرار.

وعلى رغم تفهّم علاقة جماعة لبنانية مع إيران وارتباطها العضوي الديني والسياسي بهذه الدولة، ولكن لا يمكن اختصار التاريخ اللبناني أو اعتبار أنه بدأ في هذه المحطة، خصوصاً أنّ العلاقة بين طهران وبيروت لم تترجم دولتياً، خلافاً للعلاقة التاريخية اللبنانية-السعودية التي ترجمت في إنهاء الحرب الأهلية في اتفاق الطائف، وتمكين الدولة اللبنانية سياسياً واقتصادياً وأخيراً عسكرياً، ولم تتظَهّر يوماً بأنها علاقة سعودية-سنية على غرار العلاقة الإيرانية-الشيعية، والمقصود «حزب الله» تحديداً، بل في عزّ الحرب الأهلية لم تقف إلى جانب السنّة ضد المسيحيين.

وفي موازاة العلاقة التاريخية بين بيروت والرياض لا يجب التقليل من بُعد آخر أساسي جاء في مقدمة الدستور اللبناني وهو أنّ لبنان «عربي الهوية والانتماء»، وبالتالي المساواة هنا أيضاً بين السعودية وإيران لا تجوز.

ولكلّ هذه الأسباب وغيرها فإنّ المساواة بين الدولتين تبدأ في اللحظة التي تُظهر فيها طهران تمسّكها باستقلال لبنان وسيادته وحصرية السلاح داخل الدولة وحدها، وحرصها على تجربته في العيش المشترك التي لا تستقيم في ظل وجود طائفة مسلّحة لا تلتزم شروط الميثاق والدستور اللبنانيين.