شهدت الأيّام الأخيرة خلافات بين أكثر من جهة سياسيّة كان يُفترض أن تكون في خندق إنتخابي واحد – إذا جاز التعبير، بسبب الفشل في التوصّل إلى تقاسم مقبول من جانب القوى المعنيّة بهذه التحالفات المُفترضة على حصص الترشيحات النيابيّة في أكثر من دائرة. وهذا الأمر إنطبق بشكل كبير على التحالفات المُفترضة لكلّ من «القوّات اللبنانيّة» و«التيّار الوطني الحُرّ». فما الذي يحصل؟
بحسب مصدر سياسي مسيحي إنّ السبب الرئيس لهذه الخلافات يتمثّل بما أسماه «الهَجمة» على المقاعد النيابيّة المسيحيّة في العديد من الدوائر الإنتخابيّة، الأمر الذي دفع كلاً من «الوطني الحُرّ» و«القوّات» إلى رفع الصوت إعتراضًا، ما أسفر عن سُقوط أكثر من تحالف إنتخابي في أكثر من دائرة، بشكل يُهدّد جدّيًا بفرط تحالفات أخرى في دوائر أخرى أيضًا! وأوضح المصدر نفسه أنّه في دائرة «الشوف – عاليه» التي تضمّ 7 مقاعد مسيحيّة من أصل 13 مقعدًا، سقط التحالف بين «التيّار الوطني الحُرّ» وكل من «المُستقبل» و«الإشتراكي» بسبب ترشيح الأوّل الوزير غطاس خوري عن أحد المقاعد المارونيّة، وبسبب تمسّك الثاني بأغلبيّة المقاعد المسيحيّة، الأمر الذي رفضه «التيّار»، علمًا أنّ التنازل عن مقعدين لمصلحة «القوّات» جاء فقط بعد سُقوط باقي خيارات التحالف! وأضاف المصدر أنّه في دائرة «الشوف عاليه» أيضًا، أسفر تمسّك «الحزب الديموقراطي اللبناني» بترشيح مروان أبو فاضل عن المقعد الأرثوذكسي في عاليه، عن تهديد جدّي بانفراط تحالف الحزب المذكور مع «الوطني الحرّ» الذي يتمسّك حتى الساعة بترشيح إيلي حنّا عن المقعد نفسه، في إنتظار ما سيُسفر عنه الإجتماع المرتقب في القريب العاجل بين وزير الخارجية جبران باسيل والنائب طلال أرسلان.
وأشار المصدر السياسي المسيحي نفسه إلى أنّه في دائرة «البقاع الغربي – راشيا» التي تضمّ مقعدين مسيحيّين من أصل ستة مقاعد، يُطالب «التيّار الوطني الحُرّ» بالمقعدين المسيحيّين، الأرثوذكسي للنائب السابق إيلي الفرزلي والماروني لمنسّق «الوطني الحُرّ» في المنطقة شربل مارون، بينما رشّحت «القوّات» المحامي إيلي لحّود عن المقعد الماروني في المنطقة. وأضاف أنّ هذه الترشيحات إصطدمت برغبة «المُستقبل» بترشيح هنري شديد عن المقعد الماروني، وغسان سكاف عن المقعد الأرثوذكسي، في حال فشلت مُفاوضات تحالفه مع أي من القوّتين المسيحيّتين الأساسيّتين، وهو إشترط على «القوّات» إستبدال ترشيحها لمرشّح ماروني بآخر أرثوذكسي للموافقة على التحالف معها، وإشترط على «التيّار» التنازل عن ترشيح الفرزلي والإكتفاء بمرشّحه الحزبي عن مقعد واحد للتحالف معه، ما أسفر عن سُقوط إحتمالات التحالفات – أقلّه حتى إشعار آخر. ولم تكن خُطوط التفاوض بين «الوطني الحُرّ» ولائحة تحالف قوى «8 آذار» التي تضمّ خُصوصًا رئيس حزب الإتحاد عبد الرحيم مراد، والأمين العام لحركة النضال اللبناني العربي فيصل الداود، ورئيس الهيئة التنفيذيّة لحركة «أمل» محمد نصر الله، أفضل حالاً – بحسب المصدر عينه، حيث طُلِبَ من «التيّار» أن يسحب ترشيح مارون والإكتفاء بترشيح الفرزلي للمُوافقة على إنضمامه إلى اللائحة.
وفي دائرة «عكّار» التي تضم 3 مقاعد مسيحيّة من أصل 7 مقاعد، أكّد المصدر السياسي المسيحي أنّ الخلاف بين «تيّار المُستقبل» و«التيّار الوطني الحُر» إستعر بسبب إصرار هذا الأخير على الإستحواذ على المقعد الماروني لصالح الحزبي جيمي جبّور وعلى أحد المقعدين الأرثوذكسيّين لصالح أسعد درغام، بينما أصرّ «المُستقبل» على أن يبقى المقعد الماروني بيد حليفه النائب هادي حبيش، مُبديًا إستعداده لترك أحد المقاعد الأرثوذكسية فقط لا غير. ولفت إلى أنّه في الوقت الذي إكتفت «القوّات» بترشيح العميد المتقاعد وهبي قاطيشه عن أحد المقعدين الأرثوذكسيين، وافق «المُستقبل» على الأمر، لكنّه ربط تحالفه في عكّار مع «القوّات» بشرط الحُصول على تنازلات من قبل هذه الأخيرة في دوائر أخرى، الأمر الذي أعاد المُفاوضات بين الطرفين إلى نقطة الصفر!
وفي دائرة «صيدا جزين» التي تضمّ 3 مقاعد مسيحية ومقعدين للطائفة السنّية، حال إصرار «تيّار المُستقبل» على تعويض خسارته المُتوقعة لأحد المقعدين السنّيين، عبر ترشيح وليد مزهر عن المقعد الكاثوليكي في جزيّن، دون التحالف مع «الوطني الحُرّ» – أقلّه حتى الساعة، بحسب ما أوضح المصدر السياسي نفسه، حيث رفض «التيّار» هذا الترشيح وأصرّ على خوض معركة المقاعد المسيحيّة الثلاثة في جزيّن، خاصة وأنّه يتعرّض أصلاً لمُحاولة تخفيض حصّته الحالية من قبل لائحة تحالف المرشّح إبراهيم سمير عازار مع أمين عام التنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد. والخلاف على المقعد الكاثوليكي بالتحديد أسقط أيضًا إحتمال التحالف بين «تيّار المُستقبل» و«القوّات» بسبب ترشيح هذه الأخيرة عجاج حداد عن المقعد الكاثوليكي، ليس من باب المُناورة بل لأنّه أفضل الخيارات بالنسبة إليها في ظلّ وُجود أكثر من مرشّح ماروني قوي في الدائرة المعنيّة.
وتابع المصدر السياسي المسيحي أنّ هذا الميل للسيطرة على المقاعد المسيحية من قبل قوى غير مسيحيّة، لا ينحصر بالدوائر المذكورة أعلاه، بل ينسحب على مُختلف الدوائر الإنتخابيّة التي لا يتمتّع فيها المسيحيّون بالأغلبيّة العدديّة، من «طرابلس – المنية – الضنية» مرورًا بدائرة «بعلبك – الهرمل»، وُصولاً إلى «بنت جبيل – حاصبيا – مرجعيون – النبطيّة»، إلخ. وقال إنّ المُفارقة أنّ القوى الحزبيّة والسياسيّة الأخرى تتمسّك بشدّة بمقاعد الأقليّات الإسلاميّة في الدوائر ذات الأغلبيّة العدديّة المسيحيّة، كما هي الحال مثلاً في دوائر المتن أو «كسروان – جبيل» أو «زحلة»، بحيث تُجيز لنفسها ما لا تُجيز لغيرها!
وختم المصدر السياسي المسيحي كلامه بالقول إنّه في تاريخ لبنان المُعاصر كانت الكثير من اللوائح الإنتخابية تضمّ مُرشّحين ينتمون إلى طوائف ومذاهب مُختلفة، ولعلّ النوّاب الشيعة ضمن كتلة حزب «الوطنيّين الأحرار» في زمن الرئيس الراحل كميل شمعون هم خير مثال على ذلك، مُشيرًا إلى أن لا مُشكلة في ذلك في حال كان الأمر مُتبادلاً بين مُختلف الأطراف الطائفية والمذهبيّة، بناء على تموضعات سياسيّة واضحة. وإذ لفت إلى أنّ حلم الكثير من اللبنانيّين أن يتمّ إلغاء الطائفيّة السياسيّة من النفوس قبل النُصوص، وأن يتقدّم عامل المُواطنيّة والخط السياسي العريض على أي عامل حزبي أو طائفي أو مذهبي أو مناطقي ضيّق، شدّد على أنّ الوُصول إلى هذا الحلم المثالي لا يزال يبدو بعيد المنال بحسب ما تؤشّر إليه المُمارسات على الأرض. وقال إنّ ما يحصل على الأرض من مُحاولات لوضع اليد على المقاعد المُخصّصة للطائفة المسيحيّة على إختلاف مذاهبها في الكثير من الدوائر، هو إثبات على إستمرار نزعة السيطرة وقضم الحُقوق!