IMLebanon

ما تجب معرفته عمّا خُفي من حقائق ملف انفجار 4 آب ( 2)

 

منذ الانفجار الرهيب الذي أصاب حرم مرفأ بيروت مساء يوم الاربعاء في 4 آب 2020 ونتج عنه الضرر الفادح بالارواح والاجساد والممتلكات، تعددت، منذ الحين وحتى اليوم، الاقاويل والاجتهادات التي تم ترويجها دون ان تكون مستندة بالضرورة الى وقائع ثابتة بل كثير منها هو من نسج الخيال، ولست في وارد تعدادها وتفنيدها أو الإدلاء بتكهنات من عندي تحلَّ محلها.

 

وإذا كانت بعض الوقائع التي تم ترويجها ثابتة فإن ذلك لا ينفع اما لأن لا علاقة لها بجوهر المسألة أو لانها من قبيل رؤية بعض الاشجار في الغابة دون رؤية الغابة بأكملها. وأحياناً يكون الامر معكوساً مثل عدم رؤية الفيل في الغرفة.

 

وان ما أحاوله في هذه الدراسة، المبنية في الغالب على مستندات غير منشورة، هو إلقاء ما تيسّر من الضوء على الغابة والفيل أو الأفيال. وقد يكون المخفي أعظم وقد يفاجيء الجميع.

 

ثانياً: كيف يدار مرفأ بيروت ؟

 

1 – في العـــــام 1887 كانت مدينة بيروت عاصمة ولايــــــة بيروت في الدولــــة العثمانية. وكـانت الدولة ترغب في إقامة مرفأ بحري حديث في تلك الولاية فطُرح اختيار واحد من ثلاثــة مواقع: بيروت، جونيه، الجيّة. فاختارت وزارة التجارة والاشغال العثمانية في اسطنبول مدينة بيروت.

 

2 – وفي 15 آب 1887 وقع وزير التجارة والاشغال ذهني باشا مع السيد جوزف مطـران العثماني الجنسية عقداً لاعطائه وشركائه امتياز انشاء واستثمار مرفأ في بيروت بموجب دفتر شروط لمدة ستين سنة ابتداء من تاريخ الفرمان السلطاني الذي سيصدر وقد صدر فعـلاً في 11 شـــــوال 1304. وعلى الاثر تم تأسيس شركــــــة إدارة واستثمــار مرفــــأ بيروت وحواصلــه في « بيروت (سوريا)». وتم تحويلها الى الجنسية الفرنسية في 20 ايار 1925 حين تم تسجيل هذا التحويل في السجل التجاري في بيروت.

 

3 – استعادت الدولة اللبنانية الامتياز بموجب اتفاق 13/4/1960 فانتقلت الشركة الفرنسية الى لبنان واتخذت الجنسية اللبنانية وسجلت تحت اسم: شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت وموضوعها: إدارة واستثمار المرفأ والارصفة والمستودعات الجمركية والمخازن العمومية والمنطقة الحرة وفقاً لاحكام اتفاق 13/4/1960. وتعيّن مجلس لادارتها برئاسة هنري فرعون وعضوية نجيب صالحه، فائز الاحدب، عبد الله خوري، خليل صحناوي، هنري إده، بلاتري مكسيم ده دوما، ادوار ده مونيسكو.

 

4 – تصدق اتفاق 13/4/1960 بقانون 31/5/1960 وجاء في المادة 10 منه:

 

«ان شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت تقوم لحساب الدولة ابتداء من اول كانون الثاني 1961 بإدارة ارصفة واحواض ومختلف منشآت مرفأ بيروت كما تدير ايضاً شؤون اراضي وابنية الملك العام المرفئي… وتستمر في استثمار المستودعات الجمركية والمخازن العمومية والمنطقة الحرة وفي ممارسة حقوقها… حتى 31/12/1990».

 

وتُختصر هذه الحقوق بعبارة الادارة والخزن والعتالة !

 

5 – وجاء في المادة 14 منه:

 

« تأخذ شركة الادارة على عاتقها البضائع بموجب تعداد وجاهي يدوّن على قسيمة الادخال ويوقعها ممثلها وممثل الجمرك وممثل وكالة الملاحة او النقل البري او المرسلة اليه البضاعة اذا حضر عند التسليم».

 

6 – وفي 26/1/1966 صدر نظام المرافئ والموانئ اللبنانية بقرار وزير الاشغال والنقل رقم 1/31 وتعرّف المادة 7 منه مياه المرفأ بأنها السطح المائي داخل الاحواض. وتعرّف المادة 11 منه حرم المرفأ بأنها المنطقة المصوّنة الخاضعة لرقابة ادارة الجمارك (أي لجهة السلطة الجمركية وهي غير الادارة والاستثمار والخزن والعتالة) وجاء في المادة 17 منه:

 

«على كل سفينة تحمل مواداً خطرة (محروقات سائلة ومتفجرات الخ) ان ترفع عند اقترابها من المرفأ وطيلة مدة رسوها:

 

– علماً احمر مرفوعاً على ساريتها في النهار.

 

– ضوءاً احمر منظوراً على دائرة الافق في الليل».

 

وتوجب المادة 54 منه ان يجري تفريغ السفن من جانب شركة المرفأ وفقاً للانظمة الجمركية. وتمنع المادة 58 ابقاء البضائع على حافة الارصفة وتوجب نقلها فوراً الى الامكنة المخصصة لها.

 

7 – وحددت المادة 73 من النظام المذكور نطاق صلاحية رئيس المرفأ بأنها السطح المائي الكائن في منطقة اختصاصه وله منع سفر السفن او تأخير ابحارها إذا ثبت له سوء حالتها وتحديد امكنة الرسو.

 

8 – وأخضعت المادتان 2 و13 من قانون الاسلحة والذخائر المعدلتان وفقاً للقانون 347 تاريخ 16/6/1994 والقانون 72 تاريخ 31/3/1999 استيراد وتصدير مادة نيترات الامونيوم المحتوي على الازوت بنسبة تفوق 33،5 % (high density) لموافقة وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش) ومجلس الوزراء بما حرفيته:

 

«المادة 17:

 

ان استيراد وتصدير واعادة تصدير المعدات الحربية والاسلحة والذخائر وقطعها المنفصلة وجميع المواد المذكورة في الفئات الاربع الاولى تخضع لاجازة مسبقة من وزارة الاقتصاد الوطني بعد موافقة وزارة الدفاع الوطني (قيادة الجيش) وموافقة مجلس الوزراء.

 

أما اسلحة الصيد وذخائرها والاسلحة والمواد المذكورة في الفئات الخمس الاخرى فتخضع لاجازة مسبقة من وزارة الاقتصاد الوطني بعد موافقة وزارة الداخلية.

 

غير ان نيترات الامونياك (كذا) التي تحتوي على الازوت تتجاوز 33،5 % فانها تخضع للاجازة المسبقة المنصوص عليها في الفقرة الاولى من هذه المادة».

 

9- وفي العام 2000 إنتقلت إدارة واستثمار مرفأ بيروت إلى بناية مكاتب حديثة أُنشئت لها في الكرنتينا قرب مدخل حرم المرفأ الشرقي وافتتحت بإحتفال رسمي تحت رعاية رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.

 

10 – وفي 15/12/2000 صدر قانون الجمارك بالمرسوم الاشتراعي رقم 4461 وهو ينص في مادته الاولى على منع دخول البضائع الى لبنان او تصديرها منه بصورة مخالفة للقانون ويوجب استيفاء الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة الى لبنان.

 

11 – ونصت المادة 3 منه على ان كل بضاعة تدخل المنطقة الجمركية او تخرج منه تخضع لاحكامه. وتوجب المادة 67 منه على كل بضاعة ترد بطريق البحر ان تدرج في بيان وحيد بحمولة السفينة يسمى: المانيفست ولا سيما منها البضائع الممنوعة والمحتكرة ويترتب تقديم المانيفست ولو كانت السفينة فارغة. وتمنع المادة 80 منه تفريغ اية بضاعة من أية سفينة بدون ترخيص من موظفي الجمارك ودون حضورهم.

 

12 – وتجيز المادة 144 منه اتلاف البضاعة المخالفة للقانون على يد لجنة خاصة يعينها مدير الجمارك العام الذي له أن يفرض اعادة تصديرها اذا كان من شأن الاتلاف الاضرار بالبيئة وذلك ضمن الشروط التي يحددها مدير الجمارك العام.

 

13 – وتجيز المادة 292 منه اعادة تصدير البضائع الاجنبية المفرغة في المخازن الجمركية بموجب الاصول التي يحددها مدير الجمارك العام على ان يقدم طلب لاعادة التصدير.

 

14 – وتجيز المادة 322 منه ضمناً الحراسة القضائية على البضائع الباقية في المخازن والمستودعات التي تديرها ادارة الجمارك مباشرة على ان تحدد قيمة رسم الخزن السلطة التي فرضت الحراسة القضائية او الحجز.

 

15 – وبعد انتهاء العقد بين الدولة اللبنانية وشركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت في 31/12/1990 قرر مجلس الوزراء في 17/3/1993 مؤقتاً تشكيل لجنة مؤقتة لادارة واستثمار مرفأ بيروت (وهي التي كان يترأسها السيد حسن قريطم يوم 4/8/2020). وإستمرت هذه الحالة المؤقتة الى يوم كتابة هذه السطور.

 

16 – وفي 12/1/1999، وبناءً لطلب وزير النقل، صدرت عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل الاستشارة رقم 14 التي جاء فيها انه وخلال العامين 1991 و1992 التاليين لانتهاء عقد شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت انيط بموظفيها امر ادارة واستثمار المرفأ بإشراف لجنة تم تأليفها بقرار مشترك من وزير الاشغال العامة والنقل ووزير الموارد المائية والكهربائية، وان مجلس الوزراء قرر في 17/3/1992 اناطة ادارة واستثمار المرفأ بلجنة مؤقتة، وفي 22/4/1997 عيّن لجنة جديدة من سبعة اعضاء يكون احدهم مهيب هاشم العيتاني رئيسها والمدير العام للمرفأ على ان تتولى اللجنة المؤقتة بإشراف وزير النقل متابعة ادارة واستثمار مرفأ بيروت وفقاً للاصول والانظمة التي كانت تطبقها شركة مرفأ وأرصفة وحواصل بيروت وتتمتع بذات الصلاحيات التي كان يتمتع بها مجلس ادارة الشركة المنتهية مدتها ويفتح لها حساب خاص لدى مصرف لبنان. لكنه لم يصدر اي مرسوم او قانون بما تقدم.

 

17 – واعتبرت هيئة التشريع والاستشارات ان قرارات مجلس الوزراء لا تتمتع بالقوة التنفيذية ما لم تصدر بها مراسيم يوقعها رئيس الجمهورية والوزراء المختصون وان تعيين اللجنة غير قانوني وليست لها الشخصية المعنوية او الاستقلال المالي والاداري لانها ليست مؤسسة انشئت بقانون ونوهت الهيئة بضرورة تصحيح الوضع بإيجاد الصيغة القانونية المناسبة.

 

18 – وفي اول آذار 2002 صدر المرسوم رقم 7505 بعد موافقة مجلس الوزراء، الذي تجاهل الاستشارة المنوه عنها، بتعيين لجنة مؤقتة برئاسة السيد حسن قريطم (وهو قيد التوقيف)، وذلك بناءً لاقتراح وزير المالية فؤاد السنيورة ووزير الاشغال العامة والنقل محمد نجيب ميقاتي. وهي اللجنة التي ما زالت قائمة، وتمت حديثاً جداً تسمية السيد عمر عبد الكريم عيتاني رئيساً بالتكليف لها من جانب وزير الاشغال العامة والنقل.

 

19 – وفي 5/3/2020 نشر في الجريدة الرسمية قانون الموازنة العامة للعام 2020 وجاء في المادة 37 منه:

 

«خلافاً لأي نص قانوني او تعاقدي آخر، وبإستثناء الرواتب، تلزم ادارة واستثمار مرفأ بيروت، بتحويل الايرادات الناتجة عن خدمات المرفأ المحصلة الى حساب الخزينة لدى مصرف لبنان يومي الاثنين والخميس من كل اسبوع، على ان تحدد آلية دفع المبالغ التي تتوجب على الخزينة لصالح إدارة المرفأ من بدل ادارة ونفقات واعباء ومشتريات وخلافه، تتحملها هذه الادارة في مجال عملها بموجب قرار يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والاشغال العامة والنقل».

 

20 – لكن مثل هذا القرار لم يصدر ابداً.

 

21 – وفي 29/3/2021 وجهت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية كتاباً الى مدير عام رئاسة مجلس الوزراء بإقتراح آلية لتنفيذ المادة 37 من قانون الموازنة فقام مدير عام رئاسة مجلس الوزراء القاضي محمود مكية في 31/3/2021 بإحالة الكتاب المذكور الى جانب كل من وزيري المالية والاشغال العامة والنقل للاطلاع وتحضير الآلية المطلوبة من اجل عرضها على مجلس الوزراء. لكنه لم يرد اي جواب على الكتاب المذكور.

 

22 – وهنا لا بد من التنويه بأن الاموال التي تدخل الى ادارة واستثمار مرفأ بيروت هي طائلة وتشكل أحد الموارد الرئيسية للخزينة وتستوفيها الادارة المذكورة لصالح الخزينة وذلك وكما بيّنت اعلاه بصورة مخالفة للقانون لان ادارة واستثمار مرفأ بيروت لا وجود قانوني لها. وهي لا تنشر حساباتها ولا تخضع لأية رقابة رسمية مثل رقابة ديوان المحاسبة. وإذا جاز الحديث عن تحقيق في مغارات فساد في مختلف مرافق المرفأ فلا بدّ أن يتناول التحقيق هذه «الإدارة» أولاً.

 

23 – ولا بدّ من التنويه ايضاً بأن الوزير الذي كان يتولى وزارة الاشغال العامة والنقل التي تتبع لها المديرية العامة للنقل البري والبحري ومن ثم رئاسة مرفأ بيروت عند حصول الانفجار كان السيد ميشال نجار، وقبل ذلك ومنذ 12/11/2016 السيد يوسف فنيانوس، اما من كان يتولى وزارة المالية التي تتبع لها المديرية العامة للجمارك عند حصول الانفجار فهو السيد غازي وزنه. ولا يعني ذلك ابداً ان كل من سبق ان تولى هاتين الوزارتين يكون مسؤولاً حكماً عن إنفجار 4 آب 2020.