IMLebanon

ما تجب معرفته عمّا خُفي من حقائق ملف انفجار 4 آب ( 4)

 

منذ الانفجار الرهيب الذي أصاب حرم مرفأ بيروت مساء يوم الاربعاء في 4 آب 2020 ونتج عنه الضرر الفادح بالارواح والاجساد والممتلكات، تعددت، منذ الحين وحتى اليوم، الاقاويل والاجتهادات التي تم ترويجها دون ان تكون مستندة بالضرورة الى وقائع ثابتة بل كثير منها هو من نسج الخيال، ولست في وارد تعدادها وتفنيدها أو الإدلاء بتكهنات من عندي تحلَّ محلها.

 

وإذا كانت بعض الوقائع التي تم ترويجها ثابتة فإن ذلك لا ينفع إما لأن لا علاقة لها بجوهر المسألة أو لانها من قبيل رؤية بعض الاشجار في الغابة دون رؤية الغابة بأكملها. وأحياناً يكون الامر معكوساً مثل عدم رؤية الفيل في الغرفة.

 

وان ما أحاوله في هذه الدراسة، المبنية في الغالب على مستندات غير منشورة، هو إلقاء ما تيسّر من الضوء على الغابة والفيل أو الأفيال. وقد يكون المخفي أعظم وقد يفاجيء الجميع.

 

رابعاً: في القانون وفي ضرورة الرجوع إلى المربع الأول وإطلاق سراح كل الموقوفين.

 

1 – ليست هذه الدراسة معدّة لاطلاع رجال القانون فحسب بل ان هدفها هو إنارة الجمهور على الحقائق الساطعة التي تعبق بروائح الفساد وإنتهاك القانون. ولا بدّ إذن من القاء نظرة بسيطة على الحالة القانونية وموضوع الفصل بين الاجراءات والاساس التي تحكم كل تطبيق للقانون.

 

2 – فإنه يعتبر من الاساس كل نص قانوني يتعلق بمضمون الحقوق والالتزامات. أما ما يُعرف بالشكل فهو الاجراءات التي على المحاكم واطراف الدعاوى ان يتقيدوا بها في الاعمال الهادفة الى اثبات الحقوق والالتزامات بقرارات تستوفي شروطاً معينة وتقبل في معظم الاحيان المراجعة امام مرجعيات اعلى كمحاكم الاستئناف والتمييز. وفي العادة فإن مرجعية قاضي التحقيق هي غرفة من غرف محكمة الاستئناف تمارس وظيفة الهيئة الاتهامية.

 

3 – وان الخطوة الاولى عند وقوع ايذاء للاشخاص او اعتداء على الاموال مما يسبب ضرراً ولو بسيطاً هو التحقق مما إذا كان هذا الضرر ناتجاً عن فعل ما وهو مما يطلق عليه إن كان قصدياً تسمية الفعل الجرمي ، وعند انتفاء القصد فإن سبب الضرر يكون حادثاً او على سبيل القضاء والقدر.

 

4 – وعند وجود فعل جرمي فإن المرجع الذي يتولى اعمال الاستقصاء والتحقيق الاولي فيه هو الضابطة العدلية اي الشرطة العاملة تحت اشراف وامر النيابة العامة. فإذا اشتبهت النيابة العامة الاستئنافية ان في الامر فعلاً جرمياً بالاستناد الى نتائج التحقيق الاولي ولا سيّما إن كان الفعل يوصف قانوناً بأنه جناية فإنها تدعي به امام قاضي التحقيق الذي يتولى ما يعرف بالتحقيق الابتدائي وهو جمع الادلة التي تجيز له الظن بالمشتبه به لتتولى بعدها مرجعية اعلى منه هي الهيئة الاتهامية اصدار قرار اتهامي يحيله للمحاكمة امام محكمة الجنايات. وفي القضية الحاضرة فإن المحقق العدلي يتولى وظيفتي الظن والاتهام في آن معاً.

 

5 – وعندما يتلقى قاضي التحقيق ادعاء النيابة العامة فإنه يصبح مقيداً بالفعل الذي بُني الادعاء عليه. فلا يحق له ان يحقق في افعال اخرى. وإذا تبين له وجود افعال اخرى غير متلازمة مع الفعل المدعى به فإنه يعيد الملف الى النيابة العامة مع اقتراح ان تدعي به. وهذا الامر يعود اليها وحدها. وبعبارة اخرى فإن ادعاء النيابة العامة هو وحده الذي يحرك دعوى الحق العام ولا يجوز لقاضي التحقيق ان يستجوب احداً كمدعى عليه إن لم يتناوله ادعاء النيابة العامة الا إذا تبين له ان هذا الشخص هو مُسهِم في ذات الجريمة، يعني محرض او شريك او متدخل فيها.

 

6 – وعلى ضوء هذه المبادئ البسيطة فإنه يمكن تقدير الاخطاء الجسيمة التي أصيب بها الملف منذ عرضه على مجلس الوزراء في آخر جلسة له قبل استقالة حكومة السيد حسان دياب وذلك بتاريخ 10/8/2020، أي بعد ستة أيام من الانفجار.

 

7 – ومن الثابت انه وفي ذلك اليوم كانت هناك ثلاثة تقارير بسيطة جداً ومبدئية جداً ولا تحسم شيئاً ولا يمكن أن تتولد عنها أية شبهة وهي:

 

– محضر المباحث الجنائية المركزية رقم 879/302 تاريخ 5/8/2020.

 

– محضر شعبة المعلومات رقم 890/302 تاريخ 5/8/2020.

 

– محضر الشرطة العسكرية رقم 1246/ن.ن. تاريخ 6/8/2020.

 

وهي ذات التقارير التي استند اليها في ما بعد النائب العام لدى محكمة التمييز للادعاء. لكنه لا يمكن اعتبارها بأي حال من الاحوال من التحقيقات الاولية بالمفهوم القانوني ذلك انها لم تتوصل الى تحديد اي فعل جرمي أو تسمية أي مشتبه بارتكابه بل انها تتحدث عن حادث غامض دون الاستناد الى تقارير الادلة الجنائية.

 

8 – حتى ان مجلس الوزراء لم يطلع على المحاضر المذكورة. فلا يُعرف مصدر المعلومات التي وصلتهم والتي تبين لهم منها ان في الامر جريمة، أي فعل جرمي.

 

9 – وبدلاً من انتظار ان يدعي النائب العام الاستئنافي المختص او مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية المختص بالفعل الجرمي الذي نتج عنه انفجار 4 آب 2020 بعد اجراء التحقيقات الاولية من جانب الضابطة العدلية المختصة وبالاستناد الى تقارير ادارة الادلة الجنائية المختصة، وبالتالي تحريك دعوى الحق العام حسب الاصول من احد المرجعين المذكورين الذي يحق له تحريكها، فإن مجلس الوزراء في حكومة السيد حسان دياب أحلّ نفسه محل الضابطة العدلية والادلة الجنائية والنيابة العامة بأن اعطى نفسه الاختصاصات المذكورة بصورة غير قانونية. فقرر ان في الامر جريمة يعني فعلاً جرمياً قصدياً وان هذا الفعل المزعوم الذي لم يبيّنه يؤلف اعتداءً على امن الدولة بمعناه الواسع بحسب تعريف قانون العقوبات وهو امن الدولة الداخلي والخارجي.

 

10 – ومع ان النص في قانون اصول المحاكمات الجزائية واضح في ان ما يحيله مجلس الوزراء على المجلس العدلي هو الدعوى او الدعاوى الناشئة عن الاعتداء على امن الدولة، فإن مجلس الوزراء «احال جريمة» الانفجار الذي وقع بتاريخ 4/8/2020 في مرفأ بيروت على المجلس العدلي علماً بأن الانفجار لم يقع في مرفأ بيروت اي السطح المائي بل في حرم المرفأ.

ad

 

11 – فما كان من وزيرة العدل الا ان اصدرت قراراً في 13 آب 2020 بتعيين القاضي السيد فادي صوان: «محققاً عدلياً لدى المجلس العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 4/8/2020» اي ان الوزيرة قررت من عندها وقبل أي تحقيق شرعي forensic او إدعاء ان ما وقع في 4 آب 2020 هو جريمة دون ان تكون على علم بماهية الفعل الجرمي ودون تمييز بين مرفأ بيروت الذي هو سطح مائي وحرمه الذي وقع فيه الانفجار، وهي استعملت العبارة نفسها عندما عينت القاضي السيد طارق البيطار ليحل محل القاضي السيد صوان.

 

12 – وكما يقال فإنه تم وضع العربة امام الحصان مرتين لان الحصان، وهو في القضية الحاضرة النائب العام لدى محكمة التمييز، لم يحرك الدعوى العامة حتى يوم 14/8/2020 حين ادعى على 25 شخصاً جلّهم من اسرة المرفأ وادارته وجمركه والضباط في الاجهزة الامنية فيه بالافعال الجرمية المنوه عنها اعلاه وهي أنهم أقدموا خلال العام 2013 ـــــ 2014 على:

 

(أ) فعل الادخال قصداً لمواد خطرة قابلة للتفجير خلافاً لاحكام القانون التي تحظر ادخالها.

 

(ب) فعل وضع المواد المذكورة قصداً بالاشتراك والتدخل تباعاً وتعاقباً كل بحسب وظيفته في العنبر رقم 12 داخل مرفأ بيروت مع مواد اخرى منها عادية ومنها خطرة من ناحية اشتعالها السريع وقوة حرارتها.

 

(ج) عدم اتخاذ اي اجراء او فعل يحول دون امتزاج المواد المذكورة طوال سنين وصولاً الى انفجارها مع علمهم اليقين بخطورتها فقبلوا جميعاً بالمخاطرة بإمكانية انفجارها واحداثها الضرر بالبشر والحجر من خلال عدم اتخاذهم تدابير السلامة والامن او اي تدبير فعلي على الارض يحول دون الكارثة ما تسبب بتاريخ 4/8/2020 الى انفجار المواد المذكورة بشكل رهيب.

 

13 – إذن فإن الفعل الاول والرئيسي الذي اسند اليه النائب العام لدى محكمة التمييز ادعاءه في 14/8/2020 الذي حرك دعوى الحق العام هو ادخال المواد الخطرة خلافاً لأحكام القانون ووضعها في العنبر رقم 12 مع مواد أخرى.

 

14 – ولعل النائب العام لم يكن يدري عندما حرّك دعوى الحق العام على الوجه المبيّن اعلاه ان هناك ثلاث جهات اشتركت في فعل الادخال الذي تم مباشرة وبسرعة فائقة من السفينة روسوس الى العنبر رقم 12 وهي:

 

(1) قاضي الامور المستعجلة في بيروت آنذاك السيد جاد معلوف بقراره رقم 429/2014 تاريخ 26/6/2014 بناء لطلب الامر على عريضة الذي قدمه المحامي الاستاذ عمر طربيه بتكليف من هيئة القضايا في وزارة العدل.

 

(2) السيدان غسان غساني وعادل نصور. الاول ممثلاً للمديرية العامة للجمارك والثاني ممثلاً لادارة واستثمار مرفأ بيروت لتوقيعهما على وثيقة الادخال الجمركية 353832 تاريخ 29/12/2014 وقد كتب عليها:

ad

 

«أفرغـــت حمولــــة البــاخرة بموجب امــــر قضـــائي رقم 429/2014 المستدعي الدولة اللبنانية».

 

(3) الشركة العاملة في حرم مرفأ بيروت بترخيص من ادارة واستثمار المرفأ والتي تقدم خدمات التفريغ والنقل وهي التي تولت هذا العمل بواسطة عمالها وآلياتها.

 

15 – ولولا القرار 429/2014 الصادر عن قاضي الامور المستعجلة السيد جاد معلوف لما وافق السيدان غساني ونصور، دون تطبيق الإجراءات الجمركية الإلزامية، على تفريغ السفينة وادخال المواد الخطرة الى العنبر رقم 12. فإن كل ذلك تم تنفيذاً لقرار قضائي.

 

16- لكن فعل الإدخال لم يتسبب أبداً في إنفجار 4 آب 2020 لأنه وقع بعد أكثر من ست سنوات على وصول السفينة المحملة بالامونيوم نيترايت إلى بيروت، فلماذا لم يحدث الإنفجار أثناء تلك الفترة وقبل 4 آب 2020؟

 

17 – ولو افترضنا جدلاً ان فعل الإدخال أدى إلى الإنفجار بعد تلك المدة الطويلة فإن المادة 185 عقوبات صريحة في ان الفعل المرتكب انفاذاً لنص قانوني او لأمر شرعي صادر عن السلطة لا يعد جريمة.

 

18 – وحتى ولو كان في فعل ادخال المواد المذكورة وايداعها العنبر رقم 12 مخالفة لأحكام القانون فإن الامر لا يعدو ان يكون من نوع المخالفات التي نص عليها قانون الجمارك كما نص على اجراءات المحاكمة فيه والتي تنتهي كلها لا بالسجن بل بجزاءات نقدية ولا يمكن بأي حال من الاحوال احالتها الى قاض منفرد جزائي. فكيف بالمجلس العدلي ؟!

 

19 – فإن في قانون الجمارك تعداداً للمخالفات لأحكامه وهو يوجب ضبطها بموجب محاضر أي ان المخالفات هي من نوع الجرائم الاقل من الجنحة ويعاقب عليها بجزاءات نقدية. لكن المحاكمة فيها تخضع لقانون اصول المحاكمات المدنية. وهو نص على اصول خاصة للملاحقة والمحاكمة في شأن المخالفات الجمركية، هي: